"باسم الله، وبعون من الله، وتجسيداً لإرادة الشعب العربي، ووفاءً لشهدائنا الأبرار، وتتويجاً لتضحيات شعبنا، سيرتفع اليوم على أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب علم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".
بهذه الكلمات الضاربة في عمق التاريخ والمُسَطٍّرة فيه بأحرف من ذهب، أعلن مفجر ثورة العشرين من ماي الخالدة، الولي مصطفى السيد، في الـ 27 من فبراير 1976 عن ميلاد الدولة الصحراوية، كحقيقة تاريخية لا رجعة فيها، تجسيداً ـ كما جاء في الخطاب يومها ـ لجُمْلةٍ من النضالات التي خاضها الشعب الصحراوي والتضحيات الجسام التي قدمها بقيادة طليعة كفاحه الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وفي وقت كانت تتسارع فيه الأحداث بين إصرار الجبهة على المُضِيِّ قدماً في تحقيق الأهداف التي من أجلها تأسستْ من جهة، ومن جهة أخرى في مُواجهة المؤامرات والدسائس التي كانت تـُحاك ضدها، خاصة بعد اتفاقية مدريد المشؤومة، ومُحاولة العديد من القوى الرجعية الداعمة للنظام الملكي المغربي تكريس احتلاله للصحراء الغربية والقفز على حق شعبها في الحرية والاستقلال.
ودون أن نغوص كثيراً في الوقائع التاريخية، يكفي فقط أن ننظر إلى الحاضر لنسْتشِفَّ منه تجليَّات المستقبل ونحدد معالمه انطلاقاً من قراءة الأحداث وتحليلها في ظل التغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية، خاصة المُرتبطة منها بالقضية الصحراوية، والتي تجعل منها عامل توازن واستقرار في المنطقة.
فاليوم يستعد الشعب الصحراوي لتخليد ذكرى إعلان دولته الخامسة والثلاثين، في ظروف استثنائية من كفاحه المرير ضد المحتل المغربي الغاشم، ظروف يُثبتُ فيها لكل من يرى أو يتراءى له جهالة أن إعلان الدولة الصحراوية ما هو إلا مُجرد حدث أو موعد سنوي يتم استحضاره كلما حل يوم السابع والعشرين من فبراير، بل على العكس من ذلك تماماً، فالشعب الصحراوي اليوم يُخلد الذكرى ليؤكد ويُجسد حقيقة الدولة الصحراوية ودُنـُوها من بسْط سيادتها على كامل ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب، تلك الحقيقة التي لطالما عبَّر عنها من خلال جميع محطاته النضالية بدءً بانتفاضة الزملة التاريخية في الـ 17 يونيو 1970، مروراً بما تلاها من ملاحم ومحطاتٍ بطولية، وصولاً إلى انتفاضة الإستقلال؛ بل الأكثر من ذلك فإن الشعب الصحراوي قد عاش حدث إعلان دولته واقعاً وطيلة شهرٍ كامل في مخيم أكديم إزيك، ذلك المخيم الذي اقتنع المُحتل المغربي قبل غيره أنه دولةٌ قائمة وبكل ما تحمله العبارة من معنى، معبراً عن ذلك بكافة أوساطه الرسمية وغير الرسمية، دون أن يُدرك ـ ربما ـ أنها دولة تمتدُّ جذورُ تأسيسها إلى يوم إعلانها للوُجود في الـ 27 من فبراير 1976، وأنه مهما تنكر لها إلا أنه سيعترف بها قريباً ورغماً عن أنفه، وهو ما يُعبّر عنه الصحراويُّون اليوم بانتشائهم لذة ما بعد أكديم إزيك وإبداع الفعل الجماهيري المتواصل على نهج الشهداء حتى تحقيق ذلك.
وإذا كانت الأوضاعُ الدوليةُ الراهنة، وبخاصة العربية منها تعيشُ على وقع الثورات "التصحيحية" (تونس، مصر وما سيشهده المدى القريب في غيرها من الأصقاع العربية)، فإن ذلك لا يُمكن بأي حال من الأحوال فصله أو عزله عن ثورة الثامن من نوفمبر 2010، التي توجتْ لملحمة أكديم إزيك وما تلاها، تلك الثورة التي فجرها الشعب الصحراوي وفرض بها على العالم أجمع الإحساس والشعور بها، ليجد (أي العالم) نفسه مُجبراً على التعاطي معها، ذلك التعاطي الإيجابي الذي حرّك في الشعوب العربية روح الوطنية والثورة، بعد أن ظلت تـُعاني لعقود طويلة من الحرمان والتشريد والقمع والبطش وغير ذلك من أنواع القهر والظلم.
فصحيحٌ أنه قد تختلف الأزمنة، وتختلف الأماكن، لكن إرادة الشعوب تبقى واحدة، والهدف يبقى واحد، والمسارُ واحد، والشعور واحد، وليس صُدفةً أن تأتي ملحمة أكديم إزيك التي أكدتْ على تمسك الشعب الصحراوي بمواصلة الدرب وإصراره على انتزاع حقه وبسط سيادته على كامل ربوع أرضه في كنف دولته الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية حرة كريمة مُسْتقلة، بل إن ملحمة أكديم إزيك أتتْ كمُلهمٍ ومُحفزٍ لملحمة تونس ومصر، وأن هاتين الأخيرتين في الحقيقة ليْستـَا إلا امتداداً طبيعيّاً وجغرافياً لثورة الغضب التي فجرها الشعب الصحراوي في الثامن من نوفمبر 2010، وأعاد بها الكرّة من جديد مُنطلقاً من رحم المُعاناة والمآسي تحت ظلم وجبروت المحتل، مُعلناً إعادة الأمجاد في ظروف وإن كانت جديدة مُختلفة عن الماضي، إلا أنها تبقى متشبثة بنفس المسار والنهج الذي أعلن عنه شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد، وفيّـة له ولجميع شهداء ثورة العشرين من ماي الخالدة.
بقلم: محمد هلاب
في: 05 فبراير 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق