في ظل الظروف الراهنة التي أصبحت تتميز بها القضية الصحراوية، خاصة مع تنامي وتيرة النضال والصمود والتحدي والمواجهة الميدانية التي يفرض بها أبطال الشعب الصحراوي النصر يوماً بعد يوم في درب الحرية والإستقلال، بأساليب حضارية سلمية، غير آبهين بما يلقونه في سبيل ذلك على أيدي قوات النظام الملكي المغربي الغازي من بطش وتنكيل وقمع وتشريد وتهجير وتهميش وحرمان وتجويع وتقتيل وغيرها من الأساليب الدنيئة في المناطق المحتلة وفي جنوب وداخل المغرب، وغير آبهين بقساوة الظروف والمعاناة وطول الإنتظار في اللجوء، أو الغربة ومرارتها في الشتات، بل إن ذلك كله أثبتَ وللعدو نفسه قبل الصديق على أن الشعب الصحراوي عاقد العزم على انتزاع حقه ومهما كلفه الثمن.
وتزامناً مع ذلك، أصبحنا اليوم نرى الكثيرين ـ خاصة في أوساط الشباب أو أصحاب "النظرة الضيقة" ـ لا ينظرون إلا إلى السلبيّات، مُتشائمين، حائرين، تائهين، وإن سألتهم عن السبب لا تجد لديهم عنه جواباً، لتستنتج في الأخير على أنه نابع من فراغ كبير وعدم فهم للواقع.
وحتى نستدرك الأمر ونتمكن جميعاً من مُسايرة الأحداث برؤية واضحة بعيداً عن تشويش "المُشوشين" الذين لا يخدمون إلا مصالح العدو والمتآمرين علينا كشعب وعلى قضيتنا العادلة ـ حتى وإن كان ذلك بدون نية سيئة من لدنهم ـ لا بد لنا أن نـُراجع ونرجع قليلاً إلى المنجزات والمكاسب التي تحققتْ إلى الآن في مسار القضية الصحراوية، دون أن نغفل أو ننسى على أننا بشر ـ والبشر يُخطأ ويصيب ـ؛ وفي هذا المقام سنحاول تسليط الضوء على مسار الثورة الصحراوية منذ اندلاعها في سبعينيات القرن الماضي إلى الآن.
ـ الإرهاصات الأولى لاندلاع الثورة الصحراوية:
لقد تميزت المقاومة الصحراوية بظروف صعبة، طبعها تآمر قوى عظمى كانت تهدف بالأساس إلى إبادة العنصر الصحراوي وطمسه من الوجود، خاصة بعد معركة "المكنسة" أو "أوراكّان" في 1957 ـ 1958، والتي عُرفت لدى الصحراويين بمعركة "الطْيَاييرْ"، فيما أطلق عليها الفرنسيون معركة "أوكيفيون"، هذه المعركة التي أبانت فيها كل من إسبانيا، فرنسا والمغرب عن نواياهم تجاه الشعب الصحراوي، والتي استفاد فيها المغرب من مكافأة منحته إياها إسبانيا تمثلت في تسليمه إقليم طرفاية سنة 1958، وذلك لمشاركته "الفعالة" في هذه الحرب ضد الشعب الصحراوي بهدف إبادته وإخماد نار مقاومته، غير أن هذه المحاولات سرعان ما باءت بالفشل، خاصة عندما أبان الصحراويون عن وعيهم الوطني والسياسي وتصميمهم على المضي قدماً في الكفاح من أجل الكرامة والحرية، حيث نظموا قواهم في مختلف المدن والمداشر الصحراوية وفي أوساط العمال بالدول المجاورة، مُتوجين ذلك ببناء لبنة أساسية للمقاومة المُنظمة من خلال تشكيل الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التي فجرت انتفاضة الزملة التاريخية في 17 يونيو 1970 بقيادة الزعيم محمد سيد ابراهيم بصيري، هذه الإنتفاضة التي واجهتها إسبانيا بالقمع المفرط الذي راح ضحيته العديد من الصحراويين بين المصاب والمعتقل، ومنهم قائدها بصيري الذي لا يزال إلى حد الساعة مفقوداً مجهول المصير، حيث اعتقدت (أي إسبانيا) أنها بذلك تمكنتْ من القضاء على المقاومة الصحراوية وثنيها نهائياً عن المطالبة بحقها في الحرية والإستقلال، إلا أنه سرعان ما تبين لها العكس عندما أثبت الصحراويون صلابتهم مرة أخرى وتحديهم لمحاولات الإبتلاع والإبادة، حيث انتظموا من جديد بتأسيسهم لكيان صلب متين يُمثلهم ويناضلون من خلاله بتأسيسهم للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10 ماي 1973، أشعلوا بعده بعشرة أيام فقط ثورتهم في الـ 20 من ماي 1973.
ـ مكاسب وإنجازات الثورة الصحراوية:
رغم المواجهة غير المتكافئة بين الثوار الصحراويين وإسبانيا بأسلحتها وجنودها، وبينهم وبين الإحتلال المغربي الذي اجتاح الصحراء الغربية في 31 أكتوبر 1975، بدعم من العديد من قوى العالم العظمى، خاصة أمريكا، فرنسا، إسرائيل وموريتانيا، إلا أنهم قد أبانوا عن بسالتهم في الميدان وحققوا العديد من الإنتصارات في المعارك طيلة 16 سنة، رغم أن معظم الأسلحة التي كانوا يُواجهون بها طائرات "الجاكوار" الفرنسية وجنود ودبابات وآليات النظام الملكي المغربي وجنود نظام "ولد داداه" في موريتانيا، هي أسلحة مغنومة من العدو نفسه، كانت القوى المتآمرة تسلح بها نظام الحسن الثاني قبل أن تسلح بها جنودها.
وحتى بعد وقف إطلاق النار في 06 سبتمبر 1991، استمرت الثورة الصحراوية في نضالها حسب الظرفية وما تمليه قرارات الشرعية الدولية، وازدادت المكاسب والإنتصارات ـ وإن كانت مع بعض الهفوات ـ إلا أن أحداً لا يستطيع أن يُنكر تلك الإنجازات والتي لا زالت مُستمرة وستظل إلى أن ينال الشعب الصحراوي حقه في الكرامة والعيش فوق كامل ربوع أرضه في كنف دولته حرة مستقلة، وإذا كان الكثيرون الآن ـ للأسف ـ لا ينظرون إلا إلى النصف الفارغة من كأس إنجازات الثورة الصحراوية، فيجب أن يعلموا أن للكأس نصفاً آخر مليئاً بما يُمكن أن يكون مؤشراً ودليلاً قاطعاً على أن الثورة الصحراوية في طريقها إلى النصر وحسم المعركة لصالحها، وأن الشوط القليل المتبقي من تلك الطريق سيتم بعد إحساسنا جميعاً وإدراكنا مُجمعين مُتوحدين غير آبهين بتشويش "المُشوشين" بإنجازات ثورتنا، والإلتفاف حولها.
ـ أو لم يكن العدو ومن أعلى هرمه وعلى لسان ملكه "الحسن الثاني" يقول على أن حسم القضية الصحراوية لصالحه لن يتعدى جولة أسبوع؟ إذن هاهو "الأسبوع" أصبح أكثر من 35 سنة دون أن يُحقق شيئاً.
ـ أو لم يكن العدو يدعي بأن حدوده تمتد من طنجة شمالاً إلى نهر السينغال جنوباً، ومن المحيط الأطلسي غرباً إلى بشار شرقاً؟ وهاهو اليوم غير قادر حتى على ضبط حدوده الموروثة عن الإستعمار، بل ولا تزال مدينتين من مدنه الشمالية (سبتة ومليلية) تحت سيطرة إسبانيا، والجماهير الصحراوية في جنوبه بل وحتى من عقر داره تذيقه الويلات بفعل نضالها الحضاري السلمي المستمر وتشعل الأرض تحت أقدامه بركاناً لم ولن يخمد إلا بعد تسليمه لحقها في تقرير المصير والإستقلال.
ـ أو لم يكن العدو يزعم ويدعي على أن البوليساريو مجرد انفصاليين متمردين، وعلى أن الجزائر هي من يدير الصراع حول ما يُسميه "الوحدة الترابية"، وعلى أن الجمهورية الصحراوية ماهي إلا "حبر على ورق"؟ وهاهو يُناقض نفسه في غباء منه عندما يرتمي في أحضانه من خان عهد الشهداء ـ والعياذ بالله ـ حيث يُقدمهم في وسائل إعلامه على أنهم كانوا "قيّاديين" وعلى رأس وزارات أو مؤسسات صحراوية، دون أن يتفطن ربما على أن القياديين والوزارات والمؤسسات لا تكون إلا في الدول، وهاهو اليوم يجلس وجها لوجه على طاولة المفاوضات مع الصحراويين وليس مع الجزائريين.
ـ أو لم يُقتل العدو ويُشرد ويطرد ويعذب ويرمي بالصحراويين من طائرات الهيليكوبتر وهم أحياء ويطمرهم في مقابر جماعية وهم أحياء وينتزع أظافرهم ويزج بهم في مخابئه وسجونه لفترات طويلة ويُغريهم بالمال الوفير، ووو... في مقابل تخليهم عن مطالبهم في الحرية والإستقلال؟ ومع ذلك فلم ولن يتخلوا عن المطالبة في حقهم بالحرية والإستقلال، بل إنهم اليوم طوروا أساليبهم ونضالهم لذات الغرض.
ـ أو لم يكن أيام ما يعترف به العدو نفسه الآن على أنه "سنوات الجمر والرصاص" يعتقل ويختطف المئات من المناضلين الصحراويين من نساء وأطفال وشيوخ، دون أن يتمكن ذويهم من السؤال عن مصيرهم مخافة أن يلقوا نفس المصير؟ كل ذلك الآن أصبح من الماضي، وأصبحت الجماهير الصحراوية وفي كل مواقع تواجداتها وبفضل ثورتها تفرض عليه إطلاق سراح كل المعتقلين دون أن يُتموا مدة محكوميتهم التي تحكم بها عليهم محاكمه الصورية.
ـ أو لم يكن العدو يدعي ويقول على أن الإستفتاء سيكون تأكيدياً لمغربية الصحراء؟ وهاهو اليوم بعد أن تأكد له العكس يتنكر له، ويسوق الحلول العرجاء بدلاً عنه.
ـ ألم يكن العدو يدعي ولا يزال على أن الصحراويين هم مغاربة محتجزين في "مخيمات تندوف" لايستطيعون التعبير عن آرائهم، وعلى أن المُطالبين بـ "الإنفصال" (كما يصفهم) ماهم إلا قلة قليلة لا يُمثلون إلا أنفسهم؟ فلماذا إذن لا يُنهي المسألة ويسمح "للصحراويين المغاربة" بالتعبير عن رأيهم من خلال صناديق الإقتراع عبر الإستفتاء، بل ولماذا يُفجر الصحراويون في المناطق المحتلة وفي جنوب وداخل المغرب انتفاضة الإستقلال ولماذا يُواصلون ملاحمها وبطولاتها؟ وبماذا تـُنادي حناجرهم جهاراً نهاراً؟ وماذا يكتبون في مناشيرهم ويافطاتهم غير "لا بديل.. لا بديل عن تقرير المصير" و"المغرب برّا.. برّا.. الصحراء حرة حرة" و"المغرب سير فحالك الصحراء ماهي ديالك" و"لا للحكم الذاتي.. استقلال الصحراء حتماً آتي"... إلخ؟
ـ أو لم يكن التواصل بين أفراد الشعب الصحراوي على ضفتي جدار الذل والعار فقط عن طريق تسجيل الأشرطة وغالباً ما كانت لا تتمكن من الوصول وإن حالفها الحظ في الوصول لا تصل إلا بعد أشهر؟ وهاهي ذي الجماهير الصحراوية اليوم أصبحت تتلاقى وجهاً لوجه في المناطق المحتلة وفي مخيمات اللجوء وفي كل أصقاع المعمورة، كاسرة كل أشكال الحصار والقمع، وغير آبهة بما تلاقيه على أيدي جلادي نظام العدو المحتل، بل إن ما تلاقيه من بطش وتنكيل لا يزيدها إلا إصراراً على اللقاء وتبادل الزيارات في واضحة النهار ورغماً عن أنف المحتل، وما الزيارات التي يقوم بها أبطال انتفاضة الإستقلال إلا خير دليل وبرهان على ذلك.
ـ ألم يُقسم نظام العدو ومن أعلى هرمه على لسان ملكه "محمد السادس" على أن أمينتو حيدار لن تعود إلى العيون المحتلة بعد أن طردها إلا بقبولها الشروط المغربية وبقبولها ب"مغربية الصحراء"؟ ومع ذلك عادت أمينتو حيدار إلى العيون المحتلة منتصرة وبشروطها هي لا بشروط مغربية.
كل هذا وغيره الكثير إن دل على شيء إنما يدل على أن الثورة الصحراوية حققت الكثير.. الكثير من الإنجازات التي لا يستطيع المرء مهما حاول الوقوف عليها، وكذلك يدل بما لايدع مجالاً للشك على أنها ماضية في سبيل انتزاع حقها أو الإستشهاد دونه، وما صمود الصحراويين لأكثر من 35 سنة تحت الخيام وفي ظروف قاسية لا يستطيع تحملها إلا هم في مخيمات اللجوء، وما مرابطة مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي في الجبهات الأمامية أعينهم على الوطن وأصابعهم على الزناد، وما صمود أبطال الإنتفاضة في المناطق المحتلة وفي جنوب وداخل المغرب وفي سجون المحتل إلا دليلٌ قاطع على أن الثورة الصحراوية في أوج عطائها ومن الأحسن إلى الأحسن في طريق البناء والتحرير، وأنها اليوم ابتكرت أساليب جديدة ستؤدي حتماً إلى عزل المحتل المغربي وكشفه على حقيقته أمام الرأي العالمي الذي لطالما كذب وافترأ عليه، وما جرى للأربعة عشر ناشطاً إسبانياً في العيون المحتلة نهاية أغسطس 2010، إلا بداية عزل المحتل المغربي وإدانته دولياً، وبداية نهاية احتلاله للصحراء الغربية.
ولم يبقي لي إلا أن أقول كما قالت فنانة الثورة الصحراوية، مريم الحسان: "ألا شـْوَيْ مَنِ أصْبَرْ يَا الشعْبْ اسْتقلالك ينـْجْبَرْ"، ودمتم للنضال صامدين.
وتزامناً مع ذلك، أصبحنا اليوم نرى الكثيرين ـ خاصة في أوساط الشباب أو أصحاب "النظرة الضيقة" ـ لا ينظرون إلا إلى السلبيّات، مُتشائمين، حائرين، تائهين، وإن سألتهم عن السبب لا تجد لديهم عنه جواباً، لتستنتج في الأخير على أنه نابع من فراغ كبير وعدم فهم للواقع.
وحتى نستدرك الأمر ونتمكن جميعاً من مُسايرة الأحداث برؤية واضحة بعيداً عن تشويش "المُشوشين" الذين لا يخدمون إلا مصالح العدو والمتآمرين علينا كشعب وعلى قضيتنا العادلة ـ حتى وإن كان ذلك بدون نية سيئة من لدنهم ـ لا بد لنا أن نـُراجع ونرجع قليلاً إلى المنجزات والمكاسب التي تحققتْ إلى الآن في مسار القضية الصحراوية، دون أن نغفل أو ننسى على أننا بشر ـ والبشر يُخطأ ويصيب ـ؛ وفي هذا المقام سنحاول تسليط الضوء على مسار الثورة الصحراوية منذ اندلاعها في سبعينيات القرن الماضي إلى الآن.
ـ الإرهاصات الأولى لاندلاع الثورة الصحراوية:
لقد تميزت المقاومة الصحراوية بظروف صعبة، طبعها تآمر قوى عظمى كانت تهدف بالأساس إلى إبادة العنصر الصحراوي وطمسه من الوجود، خاصة بعد معركة "المكنسة" أو "أوراكّان" في 1957 ـ 1958، والتي عُرفت لدى الصحراويين بمعركة "الطْيَاييرْ"، فيما أطلق عليها الفرنسيون معركة "أوكيفيون"، هذه المعركة التي أبانت فيها كل من إسبانيا، فرنسا والمغرب عن نواياهم تجاه الشعب الصحراوي، والتي استفاد فيها المغرب من مكافأة منحته إياها إسبانيا تمثلت في تسليمه إقليم طرفاية سنة 1958، وذلك لمشاركته "الفعالة" في هذه الحرب ضد الشعب الصحراوي بهدف إبادته وإخماد نار مقاومته، غير أن هذه المحاولات سرعان ما باءت بالفشل، خاصة عندما أبان الصحراويون عن وعيهم الوطني والسياسي وتصميمهم على المضي قدماً في الكفاح من أجل الكرامة والحرية، حيث نظموا قواهم في مختلف المدن والمداشر الصحراوية وفي أوساط العمال بالدول المجاورة، مُتوجين ذلك ببناء لبنة أساسية للمقاومة المُنظمة من خلال تشكيل الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التي فجرت انتفاضة الزملة التاريخية في 17 يونيو 1970 بقيادة الزعيم محمد سيد ابراهيم بصيري، هذه الإنتفاضة التي واجهتها إسبانيا بالقمع المفرط الذي راح ضحيته العديد من الصحراويين بين المصاب والمعتقل، ومنهم قائدها بصيري الذي لا يزال إلى حد الساعة مفقوداً مجهول المصير، حيث اعتقدت (أي إسبانيا) أنها بذلك تمكنتْ من القضاء على المقاومة الصحراوية وثنيها نهائياً عن المطالبة بحقها في الحرية والإستقلال، إلا أنه سرعان ما تبين لها العكس عندما أثبت الصحراويون صلابتهم مرة أخرى وتحديهم لمحاولات الإبتلاع والإبادة، حيث انتظموا من جديد بتأسيسهم لكيان صلب متين يُمثلهم ويناضلون من خلاله بتأسيسهم للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10 ماي 1973، أشعلوا بعده بعشرة أيام فقط ثورتهم في الـ 20 من ماي 1973.
ـ مكاسب وإنجازات الثورة الصحراوية:
رغم المواجهة غير المتكافئة بين الثوار الصحراويين وإسبانيا بأسلحتها وجنودها، وبينهم وبين الإحتلال المغربي الذي اجتاح الصحراء الغربية في 31 أكتوبر 1975، بدعم من العديد من قوى العالم العظمى، خاصة أمريكا، فرنسا، إسرائيل وموريتانيا، إلا أنهم قد أبانوا عن بسالتهم في الميدان وحققوا العديد من الإنتصارات في المعارك طيلة 16 سنة، رغم أن معظم الأسلحة التي كانوا يُواجهون بها طائرات "الجاكوار" الفرنسية وجنود ودبابات وآليات النظام الملكي المغربي وجنود نظام "ولد داداه" في موريتانيا، هي أسلحة مغنومة من العدو نفسه، كانت القوى المتآمرة تسلح بها نظام الحسن الثاني قبل أن تسلح بها جنودها.
وحتى بعد وقف إطلاق النار في 06 سبتمبر 1991، استمرت الثورة الصحراوية في نضالها حسب الظرفية وما تمليه قرارات الشرعية الدولية، وازدادت المكاسب والإنتصارات ـ وإن كانت مع بعض الهفوات ـ إلا أن أحداً لا يستطيع أن يُنكر تلك الإنجازات والتي لا زالت مُستمرة وستظل إلى أن ينال الشعب الصحراوي حقه في الكرامة والعيش فوق كامل ربوع أرضه في كنف دولته حرة مستقلة، وإذا كان الكثيرون الآن ـ للأسف ـ لا ينظرون إلا إلى النصف الفارغة من كأس إنجازات الثورة الصحراوية، فيجب أن يعلموا أن للكأس نصفاً آخر مليئاً بما يُمكن أن يكون مؤشراً ودليلاً قاطعاً على أن الثورة الصحراوية في طريقها إلى النصر وحسم المعركة لصالحها، وأن الشوط القليل المتبقي من تلك الطريق سيتم بعد إحساسنا جميعاً وإدراكنا مُجمعين مُتوحدين غير آبهين بتشويش "المُشوشين" بإنجازات ثورتنا، والإلتفاف حولها.
ـ أو لم يكن العدو ومن أعلى هرمه وعلى لسان ملكه "الحسن الثاني" يقول على أن حسم القضية الصحراوية لصالحه لن يتعدى جولة أسبوع؟ إذن هاهو "الأسبوع" أصبح أكثر من 35 سنة دون أن يُحقق شيئاً.
ـ أو لم يكن العدو يدعي بأن حدوده تمتد من طنجة شمالاً إلى نهر السينغال جنوباً، ومن المحيط الأطلسي غرباً إلى بشار شرقاً؟ وهاهو اليوم غير قادر حتى على ضبط حدوده الموروثة عن الإستعمار، بل ولا تزال مدينتين من مدنه الشمالية (سبتة ومليلية) تحت سيطرة إسبانيا، والجماهير الصحراوية في جنوبه بل وحتى من عقر داره تذيقه الويلات بفعل نضالها الحضاري السلمي المستمر وتشعل الأرض تحت أقدامه بركاناً لم ولن يخمد إلا بعد تسليمه لحقها في تقرير المصير والإستقلال.
ـ أو لم يكن العدو يزعم ويدعي على أن البوليساريو مجرد انفصاليين متمردين، وعلى أن الجزائر هي من يدير الصراع حول ما يُسميه "الوحدة الترابية"، وعلى أن الجمهورية الصحراوية ماهي إلا "حبر على ورق"؟ وهاهو يُناقض نفسه في غباء منه عندما يرتمي في أحضانه من خان عهد الشهداء ـ والعياذ بالله ـ حيث يُقدمهم في وسائل إعلامه على أنهم كانوا "قيّاديين" وعلى رأس وزارات أو مؤسسات صحراوية، دون أن يتفطن ربما على أن القياديين والوزارات والمؤسسات لا تكون إلا في الدول، وهاهو اليوم يجلس وجها لوجه على طاولة المفاوضات مع الصحراويين وليس مع الجزائريين.
ـ أو لم يُقتل العدو ويُشرد ويطرد ويعذب ويرمي بالصحراويين من طائرات الهيليكوبتر وهم أحياء ويطمرهم في مقابر جماعية وهم أحياء وينتزع أظافرهم ويزج بهم في مخابئه وسجونه لفترات طويلة ويُغريهم بالمال الوفير، ووو... في مقابل تخليهم عن مطالبهم في الحرية والإستقلال؟ ومع ذلك فلم ولن يتخلوا عن المطالبة في حقهم بالحرية والإستقلال، بل إنهم اليوم طوروا أساليبهم ونضالهم لذات الغرض.
ـ أو لم يكن أيام ما يعترف به العدو نفسه الآن على أنه "سنوات الجمر والرصاص" يعتقل ويختطف المئات من المناضلين الصحراويين من نساء وأطفال وشيوخ، دون أن يتمكن ذويهم من السؤال عن مصيرهم مخافة أن يلقوا نفس المصير؟ كل ذلك الآن أصبح من الماضي، وأصبحت الجماهير الصحراوية وفي كل مواقع تواجداتها وبفضل ثورتها تفرض عليه إطلاق سراح كل المعتقلين دون أن يُتموا مدة محكوميتهم التي تحكم بها عليهم محاكمه الصورية.
ـ أو لم يكن العدو يدعي ويقول على أن الإستفتاء سيكون تأكيدياً لمغربية الصحراء؟ وهاهو اليوم بعد أن تأكد له العكس يتنكر له، ويسوق الحلول العرجاء بدلاً عنه.
ـ ألم يكن العدو يدعي ولا يزال على أن الصحراويين هم مغاربة محتجزين في "مخيمات تندوف" لايستطيعون التعبير عن آرائهم، وعلى أن المُطالبين بـ "الإنفصال" (كما يصفهم) ماهم إلا قلة قليلة لا يُمثلون إلا أنفسهم؟ فلماذا إذن لا يُنهي المسألة ويسمح "للصحراويين المغاربة" بالتعبير عن رأيهم من خلال صناديق الإقتراع عبر الإستفتاء، بل ولماذا يُفجر الصحراويون في المناطق المحتلة وفي جنوب وداخل المغرب انتفاضة الإستقلال ولماذا يُواصلون ملاحمها وبطولاتها؟ وبماذا تـُنادي حناجرهم جهاراً نهاراً؟ وماذا يكتبون في مناشيرهم ويافطاتهم غير "لا بديل.. لا بديل عن تقرير المصير" و"المغرب برّا.. برّا.. الصحراء حرة حرة" و"المغرب سير فحالك الصحراء ماهي ديالك" و"لا للحكم الذاتي.. استقلال الصحراء حتماً آتي"... إلخ؟
ـ أو لم يكن التواصل بين أفراد الشعب الصحراوي على ضفتي جدار الذل والعار فقط عن طريق تسجيل الأشرطة وغالباً ما كانت لا تتمكن من الوصول وإن حالفها الحظ في الوصول لا تصل إلا بعد أشهر؟ وهاهي ذي الجماهير الصحراوية اليوم أصبحت تتلاقى وجهاً لوجه في المناطق المحتلة وفي مخيمات اللجوء وفي كل أصقاع المعمورة، كاسرة كل أشكال الحصار والقمع، وغير آبهة بما تلاقيه على أيدي جلادي نظام العدو المحتل، بل إن ما تلاقيه من بطش وتنكيل لا يزيدها إلا إصراراً على اللقاء وتبادل الزيارات في واضحة النهار ورغماً عن أنف المحتل، وما الزيارات التي يقوم بها أبطال انتفاضة الإستقلال إلا خير دليل وبرهان على ذلك.
ـ ألم يُقسم نظام العدو ومن أعلى هرمه على لسان ملكه "محمد السادس" على أن أمينتو حيدار لن تعود إلى العيون المحتلة بعد أن طردها إلا بقبولها الشروط المغربية وبقبولها ب"مغربية الصحراء"؟ ومع ذلك عادت أمينتو حيدار إلى العيون المحتلة منتصرة وبشروطها هي لا بشروط مغربية.
كل هذا وغيره الكثير إن دل على شيء إنما يدل على أن الثورة الصحراوية حققت الكثير.. الكثير من الإنجازات التي لا يستطيع المرء مهما حاول الوقوف عليها، وكذلك يدل بما لايدع مجالاً للشك على أنها ماضية في سبيل انتزاع حقها أو الإستشهاد دونه، وما صمود الصحراويين لأكثر من 35 سنة تحت الخيام وفي ظروف قاسية لا يستطيع تحملها إلا هم في مخيمات اللجوء، وما مرابطة مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي في الجبهات الأمامية أعينهم على الوطن وأصابعهم على الزناد، وما صمود أبطال الإنتفاضة في المناطق المحتلة وفي جنوب وداخل المغرب وفي سجون المحتل إلا دليلٌ قاطع على أن الثورة الصحراوية في أوج عطائها ومن الأحسن إلى الأحسن في طريق البناء والتحرير، وأنها اليوم ابتكرت أساليب جديدة ستؤدي حتماً إلى عزل المحتل المغربي وكشفه على حقيقته أمام الرأي العالمي الذي لطالما كذب وافترأ عليه، وما جرى للأربعة عشر ناشطاً إسبانياً في العيون المحتلة نهاية أغسطس 2010، إلا بداية عزل المحتل المغربي وإدانته دولياً، وبداية نهاية احتلاله للصحراء الغربية.
ولم يبقي لي إلا أن أقول كما قالت فنانة الثورة الصحراوية، مريم الحسان: "ألا شـْوَيْ مَنِ أصْبَرْ يَا الشعْبْ اسْتقلالك ينـْجْبَرْ"، ودمتم للنضال صامدين.
كتب في: 12 سبتمبر 2010
بقلم: محمد هلاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق