إعداد: حمة المهدي |
أصبحتْ ظاهرة التطرف "الفكري" ظاهرة عالمية،
تؤرق وتشغل بال الدول والمجتمعات وتعقد لدراستها الملتقيات والندوات وترصد لتجفيف
منابعها ووأد أسبابهاالأموال والأوقات، للحد من
أخطارها الوخيمة وما تتركه من آثار جسيمة تتسبب في ترويع الآمنين وسفك دماء
الأبرياء وزرع الذعر بين
المواطنين، وزعزعة ركائز
الأمن والاستقرار داخل البيوت
الآمنة، حتى صارت بعض
المجتمعات تعيش دوامة من العنف الدموي الذي لا يرى له أهل العقول والنهى مبرراً
سوى الحماقة والجهل، لكن حين ترى العشرات من شبابنا ممن وقعوا في شراك الأفكار الوافدة التي تتبنى التكفير وإلغاء الآخر منهجاً في الدعوة،
حتى أصبحت فئة من فلذات أكبادنا وهي في ريعان شبابها تساق إلى وجهات
"مجهولة"، وهنا حق لنا أن نتساءل أين هو دور
الآباء والأمهات في رقابة الأبناء؟ أين دور المدرسة؟ أين دور المصلحين وأئمة
المساجد؟ أين القدوة
الصالحة التي يجب أن
تأخذ بأيدي أبنائنا الى بر الأمان؟ كلها تساؤلات تغيب في بحر التفسير الخاطئ للدين الذي أصبح يعشش في مخيلة البعض
من شبابنا ويفتح المجال على مصراعيه أمام الأفكار الخاطئة حتى بات من السهل أن يغرر بهم، فيركبون
أمواج الفكر الخبيث، ويتساقطون في حبائله الغادرة، التي تدفعهم عكس التيار الذي نسير فيه بل
المصيبة الأكبر يصبحون وقود أجندات معادية لشعبهم وقضيتهم.
لنتأكد إذن بأن المرض عضال والنتيجة وخيمة
إن تركنا الحبل على
الجرار دون تدارك
الأمر وهو في طور التنظير والتكفير قبل أن يصل حد التفجير حينها نعض أصابع الندم حين لا
ينفع الندم، وتحل الفوضى بالمجتمع ويغيب الأمن والاستقرار
كما هو مشاهد ومعلوم في البلاد المجاورة ولا داعي لذكر الأمثلة فهي واضحة للعيان،
حتى أصبحت مجتمعاتنا الإسلامية تعاني الأزمات تلو الأزمات والضربات الموجعة تلو
الضربات، بسواعد أبنائنا وعقول تزرع الحقد والكراهية في قلوب النشء.
ولتسليط الضوء على أسباب الظاهرة ونتائجها المدمرة، وسبل الحد منها وتجفيف منابعها نستعرض ذلك بشيء من التفصيل لأن الخطب عظيم والمصيبة أكبر.
إننا حين ننظر إلى مجتمع ظل التسامح عنوانه الأبرز وواجهته التي نفخر بها، ونقنع بها الآخرين في عدالة قضيتنا ونبل ونقاوة كفاحنا ضد العدو الغازي، نجد الكثيرين من فلذات أكبادنا وقوانا الحية، شبابنا أمل الغد ورجاء المستقبل يتهاوى بين أيدي دعاة الفتنة والتكفير الداعون إلى سبل المهالك والتفجير يزداد الحرص على تبيين الحق والتحذير من الباطل وأهله، فمجتمعنا ليس بدعا من المجامعات ولم يكن بمعزل عن التأثر بهذا الفكر الغريب، الذي إذا حل بأي مجتمع شتت أوصاله وهدم بنيانه وزرع الفرقة بين أفراده، فهو كالسرطان ينخر جسم الإنسان، وهذا الفكر الدخيل على مجتمعنا الصحراوي أصبح يُهدد أمن واستقرار المجتمع في ظل التساهل غير المبرر من الدولة!؟
فأصبح
المجتمع بين مطرقة التكفير وسندان التنصير، فاستولى على بعض المساجد التي تخاطب
المجتمع وتوجه عقوله وتلهب حماسه، البعض من أنصاف المتعلمين الذين يبثون سموم التكفير والتحريض ضد
مبادئ المجتمع وتشكيك الناس في الثوابت الدينية والوطنية معا، مما أحدث بعض
البلبلة والفوضى وصارت بعض المساجد مسرحا للجدل بدل أن
تكون منارات للعلم والمعرفة وتحولت المنابر إلى خطب حماسية وأفكار خرافية لا علاقة
لها بمحكم القرآن ولا صحيح السنة ولا بتراث وعقيدة المجتمع، ولكم حين يسمع الشاب
اليافع المتحمس للدين عبارات من قبيل "مصحف يُداس ونبي يُهان والمسجد
الأقصى أسير..." وغيرها من الكلمات ذات الوقع والتأثير على شبابنا ألا تنتابه
العزة بالنفس والتضحية من أجل التصدي لتلك المظالم؟ وهي أساليب إغرائية خطيرة يعتمد عليها أصحاب الفكر
الضال في الترويج لقدسية ما يحاربون من أجله وما يحقق لهم الانتشار والقبول بين
الناس حتى وقع الكثير من أبنائنا في حبائل الفكر الضال وإن عن حسن نية، وقد تزيد
الموضوع اجتماع عوامل موضوعية رمت بهؤلاء الشباب إلى الانعزال عن المجتمع ورميه
بألقاب الردة والتكفير، وقد يكون لظروف اللجوء التي يعيشونها وما يشعر به البعض من
عدم اكتراث الدولة لحاله ولد نوعا من القابلية لقبول تلك الأفكار التي جعلته يتوغل
في سراب الوهم، كل هذا يحدث أمام عجز الدولة عن تأطير الخطاب الديني وترشيده في خدمة مصالح المجتمع وترسيخ قيم الوحدة
والألفة وصفاء العقيدة وسلامة المنهج والتصدي لحملات التنصير والفساد الأخلاقي التي باتت تزيد من وتيرة التطرف
المضاد وتهدد هي الأخرى بيوت الصحراويين وإن تحت مسميات وفي قوالب تظاهرات، مهرجانات، كل ذلك بات يطرح أكثر من سؤال؟
إن الجدال في عدالة قضيتنا وإسلام شعبنا ضرب من ضروب الترف الفكري الذي لا فائدة من ورائه، أراد الأعداء تصديره إلى نفوسنا في هذه المرحلة الصعبة بالذات، وكانت محطة الاستقبال لدى الكثير من شبابنا جاهزة فاحتضنت هذا الفكر بسبب التحمس للدين وحسن النية وإن كنا حاولنا في البداية إخفاءه وأنه فقاعات صابون ستضمحل وتختفي لانه فكر دخيل وغريب على مجتمع التسامح والثوابت، لكن الواقع حكى لنا العكس حيث زادت حزمة المنضمين للركب الجديد وكثرت الاشاعات عن غرائب فكره، فتارة يهاجم المجتمع ويحكم عليه بالكفر والجاهلية، وقد أحدث هذا فوضى في أوساط الكثير من العائلات التي تأثر أبناؤها بهذا الفكر وانقطع الكثير منهم عن الدراسة، بحجج واهية حرمتهم التعلم والتبصر في علوم الدين والدنيا، وتارة يمس من المبادئ الوطنية ويشكك في مشروعية جهادنا ومقاومتنا للعدو الغازي؟ بحجة أننا نقاتل مسلمين رغم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون عرضه فهو شهيد"، والتشكيك في شهادة من قضوا نحبهم في ميدان العز والشرف، من هنا كان لابد من البحث في أسباب انتشار الظاهرة ومناقشة أصحاب هذا الفكر بالحجة والبرهان، ليس غطاءً لشرعنه التصرفات المنافية للدين وقيم المجتمع، أو رغبة البعض في التشفي من المخالفين ((ما أريد إلا الإصلاح ما استطعت... ))، لأنهم إخواننا وأبناء جلدتنا، نحب لهم الخير اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لايؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه" وأن يكون لهم دور فعال في بناء المجتمع بدلا من استنفاذ طاقاتهم الفكرية والعضلية في التخريب من حيث لا يعلمون، ولأن هذه الافكار لايمكن حجبها عن الشباب لأن منع هذه الأفكار عن الشباب، يجعلهم أشد لهفة لمعرفتها وتداولها، إنما يكون الحل في تبصير الشباب ببطلان هذه الأفكار وخطورتها، فنحصنهم لأن الوقاية خير من العلاج.
ـ
أسباب التطرف الفكري:
إن ظاهرة
الغلو والتطرف الديني ليست وليدة الظروف الراهنة بل هي موجودة منذ القدم، كما أنها
ليست مختصة بدين معين فكل الأديان عرفت طوائف تخرج عن الإجماع وتتهم المجتمع
بالكفر والزندقة ومن ثم تخرج عليه وتنصب له العداء، وقد ظهر التطرف الديني فى
أوروبا مما أستدعى تدخل الكنيسة للوقوف في وجهه، كما أن المجتمعات الإسلامية هي
الأخرى لم تسلم من الظاهرة عبر التاريخ حيث تضرر المسلمون طويلا من الظاهرة، وكثرت
الطوائف والفرق، وحكم البعض على الآخر بالردة والخروج عن الملة وتعال في الأفق
تبادل الاتهامات بالردة والتبديع والتفسيق والتكفير، وقصد فهم
الظاهرة الخطيرة التي باتت على وشك أن تتسرب إلى مجتمعنا وتلوث عقول شبابنا،
والأسباب الكامنة وراء انتشارها والبحث عن حلول لاجتثاثها ومعالجتها نحاول هنا ذكر
أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى التطرف الفكري والتي يمكن ان نقسمها الى أسباب
ذاتية وأخرى خارجية:
ـ أولا: الأسباب الذاتية:
1ـ الجهل: وهو
مصدر كل الأخطاء، لأن الجاهل لايحكم عقله بل يندفع وراء عاطفته، وقد يكون هذا
الشخص غيورا على دينه وشديد الخوف من ربه لكنه جاهل ولا يدري أنه جاهل على
قول الشاعر:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
فالكثيرين ممن تأثروا بهذا الفكر ثقافتهم الدينية محدودة، أو لا علاقة لهم أصلا بدراسة العلوم الإسلامية ولا يحملون أي شهادات علمية في الميدان الديني!، وإن ظهر على هؤلاء تدين لأن دافعهم هو الحرص على الالتزام بالدين، لكن الغيرة والعاطفة لا بد أن تضبط بضوابط الشريعة وعدم إلغاء العقل، لأن كثرة العبادة ليست دليل على العلم ولا على أن الشخص معه الحق لقوله صلى الله عليه وسلم: "يخرج فيكم قومٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
2ـ وجود بعض البدع والخرافات والعادات والتقاليد المخالفة لصميم الإسلام كالذبح لغير الله، ودعاء الأموات وتعليق التمائم والحجب وتصديق الكهان والعرافين "لقزانة" والتي يجهل الكثير من الناس أنها مخالفة للدين، وهذه أمور كلها زادت من التطرف المضاد وبُعد هؤلاء عن مجتمعهم وجعلتهم ينظرون إلي أنه مجتمع جاهلي خلاف ما تقتضيه الشريعة من النصح بصدق والتحذير من هذه المخالفات بالرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: "ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" لا بالتي هي أخشن.
3ـ بروز مظاهر الانحلال والتفسخ في المجتمع بسبب التغيرات التي طرأت على البنية الاخلاقية، وهو ما ينتج عنه تطرفا معاكسا بالغلو والتشدد وبالتالي الضياع في متاهات التطرّف الفكري.
4ـ جرأة بعض الشباب على إطلاق أحكام الحلال والحرام التي لايدون الاستناد إلى دليل شرعي مخالفين لقوله تعالى: "وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ".
5ـ الظن وانتشار الإشاعة: عندما تنتشر الإشاعة في المجتمع، تصبح الساحة مسرحا لتبادل الاتهامات والظن السيء بالناس، مما يُوسع الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الأفكار التكفيرية وإلغاء الآخر، قال تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"؛ ويقول بعض السلف: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءً وأنت تجد لها في الخير محملا).
6ـ الفساد الإداري وغياب العدالة: إذ تساهم تجاوزات بعض المسئولين وعدم العدل بين الناس، او التنقص من حقوقهم والتمييز بينهم يدون مبرر كل ذلك يُنمي مظاهر السخط والتذمر ويؤدي إلى فقدان الثقة في السلطة ثم العمل في الاتجاه المضاد لتغيير هذا الواقع، وهنا يجد المبرر الكافي لركوب موجة التطرف والتكفير باسم الاصلاح والتغيير.
7ـ غياب الدولة
عن مراقبة الأفكار الوافدة وتضييق الخناق عليها ومتابعة أصحابها، وقد سبق الحديث
عن عدم إدارة المساجد وتوظيف أهل التخصص، وترك معظم المساجد في يد شباب غير مؤهلين
بما فيه الكفاية لتوجيه المجتمع نحو الصالح العام، وتراجع التوجيه الديني الممنهج
والمدروس بعناية، غياب رقابة مستمرة للتوجيه داخل المساجد وحلقات النقاش التي
تثار فيها الافكار الشاذة والمتطرفة دون تأطير من أئمة مختصين مما يفسح المجال
أمام التأويلات الخاطئة والفتاوى الشاذة والأفكار المتطرفة.
8ـ غياب مرجعية علمية تقوم بالتوعية الدينية، أوعلماء يرجع إليهم في المسائل الشرعية، يبصرون الناس بالحق ويحذرونهم من الباطل، ويرسمون للنشء معالم وسطية الإسلام ويسره وسهولته، ويحفظونه من الانحراف والتأثر بالأفكار الغريبة الوافدة.
9ـ الحالة الاجتماعية التي يعيشها معظم الشباب من بطالة وعدم اكتراث الدولة لحالهم، وغياب سياسات ناجعة لاحتواء الشباب وتوفير الفضاءات المناسبة لاحتضانه وجعله يلعب دوراً إيجابياً داخل المجتمع، وتوجيه طاقته الفائضة نحو أنشطة إبداعية وبناءة تهدف إلى تعزيز اندماجه في الحياة الاجتماعية والسياسية، وهو ما يفسر سرعة تقبل بعض الشباب لهذه الافكار، ولأن العلم ضئيل يولد تلك الفتاوى المتشددة والغير متزنة.
10ـ التغرير: تحت ضغط الدافع الديني الذي ينطلق من حماس هؤلاء للدين والتعجل في تطبيق الشريعة الإسلامية، في ظل عالم يموج بالفتن والحروب والفساد المنتشر في كل بقاع الارض وابتعاد العالم عن شريعة السماء، وهذا السبب دفعهم لتاؤيل آيات خلاف ما فهمها السلف الصالح في تكفير المجتمع مثل آية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) التي قال في تفسيرها ابن طاوس ليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال عطاء: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق كما رواه ابن جرير وعن ابن عباس قال ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ورواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. فهل هم أعلم أم علماء السلف الصالح الذين كانوا أحرص على تطبيق شريعة الرحمان، وأكثر الذين تأثروا بهذا الفكر درسوا بدول الجوار، خاصة الذين درسوا بالمعهد السعودي بموريتانيا حيث كان يحرض على العنف وتكفير الحكام وتجهيل المجتمعات تحت غطاء الجهاد، بشهادة من درسوا بالمعهد، كما يُوجد من كان متأثراً بفكر الحركة الاسلامية المسلحة في فترة الثمانينيات والتسعينات، وكان الدافع الأكبر لامتطاء صهوة التطرف الفكري هو الحماس غير المؤسس على أسس الدين، والبعيد عن مقاصد الشرعة التي أحسنت أحكام كل شيء، فهؤلاء لايُدركون أولويات العمل الدعوي والمقاصد التي جاءت الشريعة لحفظها من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال والمصلحة التي أينما كانت فثم شرع الله، لكن من يفهم هذه المعاني وهو الذي شحن بالحقد ضد وطنه وشعبه؟.
هذه بعض الأسباب الذاتية التي يمكن أن تحمل على التطرف فيما تبقى الأسباب الخارجية التي نلخصها فيما يلي:
ـ ثانيا:
الأسباب الخارجية:
بعد أن
تطرقنا لجملة من الأسباب الذاتية لبروز ظاهرة الغلو والتطرف الديني، نحاول هاهنا
البحث في الأسباب والعوامل الخارجية التي ساهمت في ظهور الظاهرة ونذكر منها:
1ـ الدراسة
بالخارج: فأكثر الذين تأثروا بهذا الفكر درسوا بالخارج، خاصة الذين درسوا بالمعهد
السعودي بموريتانيا قبل أن يتم غلقه بعد أحداث الـ 11 سبتمبر، ويمكننا أن نعتبرالمعهد
السعودي بموريتانيا هو المصدر الرئسي لتصدير التطرف والغلو إلى عقول شبابنا،
بالاضافة إلى الاحتكاك المباشر بالجماعات الجهادية الاسلامية المتكونة من جنسيات
متعددة والتي كانت تجند وتهيأ أثناء الدراسة بهذا المعهد.
2ـ عنصرية
الغرب تجاه المسلمين ومشاعر الكراهية ضدهم، والخوف منهم أو ما يعرف بظاهرة
"الإسلام أوفوبيا"، وما انجر عن ذلك من تدنيس للرموز والمقدسات
الإسلامية كحرق نسخ من "القرآن الكريم" والاستهزاء بالشعائر الدينية
وتصويرها برسوم كاريكاتيرية.
3ـ بروز تيارات جهادية على الساحة الدولية كتنظيم "القاعدة" و"جماعة الهجرة والتكفير" المنشقة عن جماعة الأخوان المسلمين وفروعه وخلاياه المنتشرة عبر مختلف أقطار العالم، ومحاولته جلب الأنصار والأتباع بكل الوسائل الإعلامية الجذابة "البراقة"، والتي تعتمد على أسلوب الترغيب والترهيب، وقد تأثر الشباب به في كل أنحاء العالم.
4ـ تداخل الفقه الحنبلي الوافد بالمذهب المالكي: وهذا ما سبب الفوضى في الفتاوى، واختلاف الآراء والجدال حول المسائل الفقهية بسبب هذا التداخل بين الفقه الحنبلي والمالكي ووقوع الخلاف بسبب عدم الإلمام بالفقه المقارن، ونقل أنماط مختلفة لا تراعي خصوصيات المجتمع الصحراوي كفرض الجلباب بديل للملحفة، والمعروف أن الأصل هو توفر شروط اللباس الشرعي المتعارف عليه، بل إن الجلباب قد يكون لباس شهرة غريب على المجتمع ولباس الشهرة حذر منه الشرع.
5ـ ثورة الإعلام والاتصال: والتي بدورها ساهمت في الترويج لهذا الفكر، خاصة أن معظم الحركات الاسلامية "الجهادية" تعتمد على الإعلام بشكل كبير للترويج لمنهجها وتجنيد الأتباع، دون أن ننسى الدور الكبير للمنشورات والكتب والمطويات وأشرطة الفيديو وشبكة الأنترنت كلها وسائل تنقل هذه الأفكار وتقربها من الشباب، ومن أمثلة الكتب التي كانت قد انتشرت بين شبابنا ولاتزال نسخ منها موجودة بين رفوف بعض المساجد كتاب "العلم" لأبي محمد المقدسي، "ملة ابراهيم"، "التبيان في كفر من أعان الأمريكان"، "الجهاد"، "معالم في الطريق" وكلها كتب خطيرة تحرض وتعمق الفكر المتطرف في أوساط الشباب.
6ـ التدخل
الغربي في شؤون المسلمين والاجتياح العسكري لبعض الدول الإسلامية من قبل القوى
الغربية، والاستيلاء على موارد المسلمين، والعبث بحضاراتهم، مما ينمي السخط
والكراهية للغرب والرغبة في الانتقام وهو ما يساهم في ظهور التطرف.
7ـ الاحتلال
المغربي الذي يُريد ربط الصحراويين بالإرهاب: فقد ثبت تورطه في محاولة نشر هذه
الأفكار، وقد كشفت أسبوعية المحقق الجزائرية في عددها 113 الصادر يوم السبت 10 ماي
2008، عن مُحاولة النظام المغربي إغراء أحد أمراء الجماعة المسلحة بالجزائر
"عبد الحق العيادة" في التأثير على عقول الطلبة الصحراويين في
الجامعات الجزائرية وتجنيدهم في الجماعة الإسلامية لهذا التيار واستخدامهم في
عملياته، وبعد انتقالهم إلى عاصمة الصحراء الغربية العيون المحتلة يتم اعتقالهم
وتوجه لهم تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية جزائرية، وطلبوا منه أن يعترف بذلك في
وسائل الإعلام، ويصور الصحراويين وجبهة البوليساريو على أنهم إرهابيون، لكن
"العيادة" رفض الخطة المغربية حسب ما صرح به لوسائل الإعلام، ولهذا تم
تسليمه للجزائر.
هذه هي جملة
الأسباب الرئيسة، التي ساهمت في ظهور بوادر تيار متطرف حاولنا كشفها نصحاً لله
ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم، وليس الغرض منها تشويه أحد ولا تتبع عوراته بقدر
ما هي نصيحة لأبناء هذا الوطن الحبيب من أن يتثبتوا حتى لايقعوا في شراك الأعداء
ويصبحوا معول هدم ضد مجتمعهم وبلدهم، فلا بد من تمحيص كل ما يفد من أفكار فليس
كلما يلمع ذهباً ولا كل مصقول الحديد يماني، ورغم هذا كله يبقى المجتمع الصحراوي
ضحية للأفكار الغريبة الوافدة والعابرة لكل الخطوط الخضراء والحمراء من تجاذبات
التكفير الذي ينمي الحقد والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد، ويجرهم إلى مستنقع
الفتن، إلى الأفكار الغربية الوافدة تحت أقنعة مختلفة ويُحاول أصحابها تنصير
المجتمع وإضعاف الوازع الديني فيه وطمس هويته العربية والإسلامية، من خلال تشجع
الانحلال الخلقي ونشر الفساد والرذيلة، دون رقيب أو حسيب.
وهنا لابد
لكل واحد منا أن يقف مع نفسه وقفة تأمل ويسألها بصدق ماذا جنى المجتمع من هذه الأفكار
سوى تشكيك الناس في دينهم، وتنفيرهم من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وجر المجتمع
إلى الطائفية والمذهبية المقيتة والله سبحانه وتعالى يقول: "واعتصموا بحبل
الله جميعا ولا تفرقوا.."،
ولنعترف جميعا أن التطرف هو ردة فعل صادمة على تطرف آخر، فالظلم والعنف لا يولدان إلا مثليهما، وسرعان ما يتحول الأمر إلى مواجهة مفتوحة لا نهاية لها، وما لم تتم معالجة الأسباب الكامنة وراء ظهور وانتشار الظاهرة التي تشكل أرضاً خصبة لانتشار الأفكار المتطرفة داخل المجتمع والتي يزداد خطرها حين تنتقل من طور التفكير والاعتقاد إلى طور الممارسة والتطبيق، والذي يعبر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال خطف وقتل واستخدام لوسائل الترهيب المادي المختلفة لتحقيق الأهداف والغايات التي يطمح لتحقيقها المتطرفون؛ وهو ما يحتم علينا جميعا مراعاة المصلحة العليا وأخذ العبرة ممن حولنا وما يحدث في دول الجوار من حصاد مر، وأمور جسيمة يرفضها الشرع والعقل والفطرة السليمة، فالخطر جسيم واليوم تنظير وتكفير، وغدا فتن وقتل وتفجير، هذه صيحة تحذير والعاقل من اعتبر بغيره والأحمق من اعتبر به غيره.
ولنعترف جميعا أن التطرف هو ردة فعل صادمة على تطرف آخر، فالظلم والعنف لا يولدان إلا مثليهما، وسرعان ما يتحول الأمر إلى مواجهة مفتوحة لا نهاية لها، وما لم تتم معالجة الأسباب الكامنة وراء ظهور وانتشار الظاهرة التي تشكل أرضاً خصبة لانتشار الأفكار المتطرفة داخل المجتمع والتي يزداد خطرها حين تنتقل من طور التفكير والاعتقاد إلى طور الممارسة والتطبيق، والذي يعبر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال خطف وقتل واستخدام لوسائل الترهيب المادي المختلفة لتحقيق الأهداف والغايات التي يطمح لتحقيقها المتطرفون؛ وهو ما يحتم علينا جميعا مراعاة المصلحة العليا وأخذ العبرة ممن حولنا وما يحدث في دول الجوار من حصاد مر، وأمور جسيمة يرفضها الشرع والعقل والفطرة السليمة، فالخطر جسيم واليوم تنظير وتكفير، وغدا فتن وقتل وتفجير، هذه صيحة تحذير والعاقل من اعتبر بغيره والأحمق من اعتبر به غيره.
ـ
التطرف الفكري في ميزان الإسلام:
الغلو في
الدين ظاهرة قديمة عرفتها جميع الأمم السابقة، وقد كانت سببا لهلاك بعضها كما قال
عليه الصلاة والسلام: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو
في الدين"؛ والغلو والتطرف عكس الوسطية والاعتدال قال تعالى: {{وكذلك جعلناكم
أمة وسطًا}}.
قال الإمام إبن
الجوزي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (وأصل ذلك أن خير الأشياء أوسطها، والغلو
والتقصير مذموما، وذكر ابن جبر الطبري أنه من التوسط في الفعل، فإن المسلمين لم
يقصروا في دينهم كاليهود، فإنهم قتلوا الأنبياء وبدلوا كتاب الله، ولم يغلوا
كالنصارى ، فإنهم زعموا أن عيسى ابن الله)؛ وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
"فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى
إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى
بين ضلالتين".
ولأن ديننا الحنيف هو دين العدل والإحسان والهداية لجميع البشرية فقد حذرنا من الغلو في الدين ورسم لنا الطريق واضحاً، للفلاح في الدارين وفق منهج رباني يوازن بين الروح والجسد ويعطي لكل ذي حق حقه، ويراعي كافة مجالات الحياة {{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}}.
والمتتبع
للتوجيه الديني في الإسلام سواء كان في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو حتى
الآثار وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم يجدها دوماً تحث على الاعتدال
والتحذير من التشدد والتنطع في الدين، والأحاديث النبوية التي تأمر بالاعتدال
والوسطية وتحذر من الغلو والتطرف كثيرة ومتواترة، يقول صلى الله عليه وسلم:
"إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"
رواه أحمد؛ وجاءت النصوص القرآنية توضح ذلك بجلاء قال تعالى: {{قل يا أهل لكتاب لا
تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}}، بل
إن الإسلام تجاوز التحذير من الظاهرة لأتباعه لينكر مظاهر التطرف والتشدد في
السلوك والعبادة على أتباع بعض الديانات الأخرى، وقد انتقد القرآن الكريم
أولئك الذين شدّدوا على أنفسهم في بعض العبادات، بقوله: {{ورهبانية ابتدعوها ما
كتبناها عليهم}}.
وبالرغم من
محاولة الغرب وبعض العلمانيين والمعادين للإسلام ربط التطرف بديننا، من خلال
الإعلام الموجه والذي يربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب ويروج لذلك، إلا أن الإسلام
حذّر أكثر من غيره من التطرف والغلو، ونتائجه الوخيمة على الفرد والمجتمع، كما
جاءت الأحاديث النبوية محذرة من الغلو والتشدد: كقوله صلي الله علية وسلم: "هلك
المتنطعون" قالها ثلاثاً؛ وروى البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله علية وسلم يسألون عن
عبادة النبي صلي الله علية وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من
النبي صلي الله علية وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر!،
قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبداً ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا!!، فجاء رسول الله صلي الله علية وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قتلهم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منى".
قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبداً ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا!!، فجاء رسول الله صلي الله علية وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قتلهم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منى".
وفي حديث أبي
هريرة: <<لَنْ يُنَجِّي أَحَدًا عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ
بِرَحْمَتِهِ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ
الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا>>؛ وقوله "ما شاد
الدين أحد إلا غلبه "، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا،
واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا"، وقد
حذر صلى الله عليه وسلم من كل دواعي التكفير والخروج عن جماعة المسلمين (لا ترجعوا
بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)، وفي قوله عليه السلام (سباب المسلم فسوق وقتاله
كفر)، وقوله (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)؛ وحديث أسامة بن زيد رضي
الله عنهما عند البخاري وغيره: أنه قتل رجلا شهر عليه السيف فقال: (لا إله إلا
الله) فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإنكار، وقال: أقتلته بعدما قال:
(لا إله إلا الله)؟ فقال: إنما قالها تعوذا من السيف؟ فقال: هلا شققت عن قلبه؟!
وفي بعض الروايات: كيف لك بـ (لا إله إلا الله) يوم القيامة؟ وأين نحن من حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله
يبتغي بها وجه الله) وتحذيره عليه الصلاة والسلام من الخروج على حكام المسلمين
وأئمتهم بقوله "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"،
وعندما سأله الصحابة عن الذين يأتون في آخر الزمان ويسيئون في أعمالهم وفي
تصرفاتهم ويظلمون الناس قالوا أفلا ننابذهم يا رسول الله؟ قال: {لا ما أقاموا فيكم
الصلاة} لما في الخروج علي جماعة المسلمين من مفاسد عظيمة وتشتيت المسلمين وإضعاف
قوتهم في الخلافات والانشقاقات ولا يمكن أن نورد كل النصوص الشرعية الواردة في
التحذير من ظاهرة الغلو في الدين، في سطور وإنما يمكن الرجوع إلى العلماء الذين أشبعوا
المسألة بحثاً وكفونا مشقة البحث امتثالا لقول ربنا عز وجل: {فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق