توطئة


شعارنا: الكتابة للجميع فيما يُفيد الجميع.. وليس المهم أن نتفق في ما نكتب بقدر ما تهم الفائدة المُستخلصة والمُستنبطة من ذلك.

للمشاركة بمقال، رأي، تعليق أو أي شيء مما أردتموه، ما عليكم سوى مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني التالي:
espaciosaharaui@yahoo.es


الخميس، 16 أغسطس 2012

دُموع الحر (قصة قصيرة)

بقلم: مصطفى عبد الدايم
وضعتُ كيساً بلاستيكيّاً مليئاً بقطع من الثلج على رأسي، كنتُ أشعر أن درجة حرارتي قاتلة.

تجمدتْ أمكنة في الرأس وتدحْرجتْ بضع قطرات باردة جاوزت عنقي واندسّتْ تحت القميص مُداعبة شعيرات الصدر.

خارج الغرفة المسقوفة بالقصدير كانت الحرارة لا تـُطاق، قصدتُ المرحاض حافي القدمين، قفزت مذعوراً كأني أمشي على الجمر؛ أخفتْ حليمة ابتسامة قلما رسمتها على شفتيها وقالت ناهرة:
- أنت نسيت طلعْ نـْعَايْلك يَحْرَق ألْمَاهُو بُوك؟ 

عُدت إلى ركن الغرفة زاحفاً، جلستُ قرب النافذة الصغيرة النابتة أسفل الجدار طلباً لنسمة عليلة؛ رفعتُ ستاراً صغيراً أحمر اللون، وكأن الصحراء كانت خلف الجدار تنتظر إشارتي لتنفخ في وجهي عاصفتها الرملية الخانقة.

ضاعتْ معالم الغرفة وسبحتْ وسط سحابة اختلفت ألوانها بين صفرة وحمرة تخطف الأبصار؛ مددت يداً مُرتعشة تائهة تـُحاول بعد فوات الأوان أن تغلق النافذة.

كإسفنجة مُبللة امتصتْ كل الأتربة.. التقطتني، أخذتني إلى تلك الخيمة النائمة فوق رماح الوجع، طلبتْ مني أن أتطهر بعرق السنين من هذا الزمن الموبوء...

سألني سعيد كيف أضعت لساني؟ أجبته يوم خيروني وأنا بعد صبياً بين حبة تمر وجمرة.. واخترتُ الجمرة فلحستْ لساني؛ جوابي لم يُعجبه كثيراً واستغرب كيف لم أختر حبة التمر؛ تعجبتُ من سؤاله وقلتُ له فقط ذاك ما عن لي لحظتها.

ذابتْ قطع الثلج، انتفخ الكيس البلاستيكي، فيه أحدثتُ ثقباً ورفعته فوق مستوى الرأس وتركتُ الماء البارد يندلق فوقه؛ ابتلتْ باقي أوصالي ببرودة منعشة؛ رفعتُ رأسي تهاوتْ بضع قطرات علقتْ بشعري، اندستْ بسرعة بين القميص وجلدي، ثم هبت ريح امتصت كل شيء، ولم تترك خلفها غير جسد يكتوي باللهيب، ويتفصد عرقاً.

عبدالله ينظر إليّ بعينيه الواسعتين الشغوفتين، تحت هذا الصفيح الساخن يحبوا الآن، وغداً يلهو ويلعب تماماً كباقي الأطفال الذين قدر لهم أن يولدوا هنا.

حليمة التي عجنتها سنوات الحرب لا تعرف الشكوى ولا التذمر، على شفتيها تقمع شبح ابتسامة ربما أجلتها ليوم موعود.

الشاي هو السلاح الفتاك بالعطش، تجلس حليمة أمام مائدة الشاي.. الكؤوس ترسم نصف دائرة، تضع على الجمر براد الشاي وتوزع علينا نظراتها المشجعة وكأنها تقول لنا:
-لا بأس تحملوا قليلاً.

مَرّتْ دقائق معدودات ونحن في حضرة صمت لذيذ ننطقه إشارات وابتسامات وحركات تزيح عن الجبين عرقاً دافئاً.. ثم فجأة كأنه حُلم سمعتُ نقراً على القصدير.. نعم كان نقراً حاداً على القصدير فوقنا ولم أكن متوهماً..

- يا رحمة الله.. هو الغيث! قلتُ بفرح طفولي قبل أن توقفني حليمة بصوتها الرزين:
- لا ليس غيثاً هي فقط دموع الحر..
دُموع الحر.. دموع الحر!!

بومرداس 15 يوليوز 2012

ليست هناك تعليقات: