توطئة


شعارنا: الكتابة للجميع فيما يُفيد الجميع.. وليس المهم أن نتفق في ما نكتب بقدر ما تهم الفائدة المُستخلصة والمُستنبطة من ذلك.

للمشاركة بمقال، رأي، تعليق أو أي شيء مما أردتموه، ما عليكم سوى مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني التالي:
espaciosaharaui@yahoo.es


الخميس، 12 أغسطس 2010

ليبيا 1975ـ 1976 والموقف من قضية الصحراء الغربية


قدْ يقفُ القارئ مُسْتغرباً، ومنذُ الوهلة الأولى عند قراءة العنوان، وهو ما لمْ يكُنْ ليحْصُل لوْ ورد العنوان بدون أرقام، لأنّ الموقف مهما كان يبقى موقفاً سواءٌ بالسلب أو بالإيجاب، ولكن عندما تُضاف أرقام إلى كلمة "موقف" فإن القارئ بغضّ النظر عن كونه مُطلعا أو متتبّعاً للأحداث سيجدُ نفسه تحذوه الرّغبة في معرفة ذلك الموقف المُشار إليه ـ الذي يصْعُب فهمه في الحقيقة ـ أو أن كل جيل يفهمه حسب زمانه.
لا يختلف اثنان على أن قضية الصحراء الغربية أول ما وجدت الدعم في بداية كفاحها الثوري نحو التحرر وجدته من ليبيا، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي؛ إلا أن المُفارقة الكبرى هي أن ذلك الموقف لم يبق اليوم كما كان معروفاً في السابق، أو بصيغة أخرى أكثر وضوحاً هي أن ليبيا اليوم ليست ليبيا 1975ـ 1976 فيما يخص موقفها من قضية الصحراء الغربية.
وحتى لا يكون الكلام مجرّد كلام، أو من أجل الكلام فقط، سنستدل بمجموعة من المُعطيات التاريخية تُوضح ذلك التباين في المواقف الليبية بين الأمس واليوم، والكلام للتاريخ يُسهّلُ على المُهتم معرفة الماضي من جهة، ومن جهة أخرى يجعل ذلك صعب الإدراك في الحاضر و ربّما في المُستقبل إن بقي الحال هكذا.
ورد في كتاب "السجل القومي/ بيانات وخطب وأحاديث العقيد معمر القذافي، قائد ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة/ المجلد السنوي السابع 1395ـ1396هـ/ 1975ـ 1976م" مجموعة من الحقائق التاريخية على لسان الزعيم الليبي بخصوص قضية الصحراء الغربية، أسْتعرضُها للقارئ الكريم حتى يُكوّن نظرة عن الموقف من القضية آنذاك، وبالتالي تتوضح لديه الرؤية، أو على الأقل يتضح له سبب إرفاق العنوان بأرقام؛ والبداية من الصفحة 347 من الكتاب المذكور، حيث جاء فيه تحت عنوان "برقية إلى ملك المغرب":
حضرة الأخ الملك الحسن الثاني..
"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما... إلى آخر الآية"،"ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
إيمانا بالكتاب والسنة وبدوافع قومية عربية، أسمح لنفسي أن أوجه إليك هذه البرقية في وقت أعتقد أنه يستحق أن أوجهها فيه.. ولتكون الكلمات واضحة المعاني أقول من البداية، إن موضوع البرقية هو الصحراء الغربية التي تشمل الساقية الحمراء ووادي الذهب والجزر الخالدات.
حضرة الأخ الملك..
إنه في 11 يونيو 1972م.. أعلنتُ بنفسي في خطاب عام أن الجمهورية العربية الليبية ستتحمل مسؤوليتها القومية وتتبنى حرب تحرير شعبية في الصحراء الغربية ما لم تنسحب إسبانيا من هذه المنطقة، ولم يقل أحد يومها أنك تتدخل في قضية تراب من المملكة المغربية، ولم أتكلم عن سبته ومليلة المحتلتين حتى الآن من طرف الإسبان لأن ذلك يخص السيادة الوطنية المغربية؛ وفي بداية عام1973م، كانت حرب التحرير حقيقة واقعة على أرض الصحراء الغربية بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وقامت الجمهورية الليبية بواجبها القومي بإمداد الجبهة بالسلاح وفتحتُ لها مكتبا في طرابلس.. والجدير بالذكر أن الأقطار المعنية اليوم بهذه القضية لم تتعاون مع الجمهورية العربية الليبية في إمداد جبهة التحرير.. ولم تتعاون مع الجبهة من جهة أخرى.. بل صودرت كميات من الأسلحة من طرف هذه الأقطار كانت في طريقها من الجمهورية العربية الليبية إلى جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب؛ وإلى عام1975م، عندما أصبحتم طرفا بارزا في القضية أكدتُ لك عن طريق مبعوثيك الذين تفضلت بإرسالهم في تلك الفترة، أن إمكانيات الجمهورية العربية الليبية العسكرية رهن إشارتكم إذا قررتم تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار؛ بيد أن الذي حصل هو دخول قواتكم في عملية تسليم وتسلم للصحراء من الإسبان "وكفى الله المؤمنين القتال" وحتى هذا الحد أقول للتاريخ إنني لست ضد المغرب، وكنت أظن أن سكان الصحراء وعلى رأسهم الجبهة الشعبية لا يعارضون الانضمام مع المغرب.. وحمدت الله أن دور الجمهورية العربية الليبية قد انتهى متوجا بخروج الاستعمار الأجنبي من أرض عربية؛ والله يعلم كم حاولت إقناع قيادة الجبهة بالانضمام إليكم بعد الإستقلال. ولا بد أنكم تذكرون الضمانات التي رأيت تأكيدها من جانبكم لأعضاء الجبهة عموماً، ولا أنكر أنك أكدت لي عن طريق مبعوثيك وسفير المغرب بطرابلس تلك الضمانات.
حضرة الأخ الملك..
إن ما هو واقع الآن فوق الصحراء الغربية شيء جد خطير، بغض النظر عن طبيعة كافة المنزلقات التي أدت إلى ذلك؛ إن سكان الصحراء وعلى رأسهم الجبهة أعلنوا الآن للعالم أنهم ليسوا مغاربة ولا جزائريين ولا موريتانيين.. وأن أبناء الصحراء من جهة أخرى هم الذين حملوا السلاح وحرروا أرضهم دون سواهم؛ ثم إن عملية ضم الصحراء للمغرب أصبحت الآن دون مواربة، عملية ضم قسري، وأنا هنا أتكلم عن الواقع والنتيجة لا عن الأسباب والمبررات؛ وأنا أيضا حتى الآن لست ضد انضمام الصحراء الغربية للملكة المغربية أو موريتانيا ولا يمكن أن أكون ضد الشعب المغربي الشقيق أو الجيش المغربي الذي لازالت دماء شهدائه تسيل على الجولان، بل أنا من المؤمنين بضرورة الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج ومن أوائل العاملين من أجلها والمبشرين بحتميتها، ولكن من غير المعقول أن أتجاهل إرادة جزء من الجماهير العربية تقاوم هذا الانضمام حتى تكدست حول الحدود الجزائرية.. وأصبحت خيام الصحراويين الفارين من هذا الانضمام تغص بهم (تيندوف) كما عرفات بخيام الحجيج.. من ينكر أيها الأخ الملك هذه المأساة من ناحية، ومن ينكر إرادة سكان الصحراء من ناحية أخرى، ومن ينكر حق الذين حملوا السلاح لتحرير بلادهم بمفردهم من ناحية ثالثة؟
أنا أذكر حقائق واقعة فقط.. ولست طرفا في قضية ترابية.. ولا أتحدث عن الانضمام أو عدمه، فالانضمام الآن أصبح بالقوة ونجاحه أو فشله متوقف على إبادة شعب الصحراء أو إبادة الجيش المغربي وكلاهما مصيبة لنا جميعا ـ فهذا أبي حين أدعوه وذا عمي ـ وإذا أخذنا بهذا الأسلوب (أسلوب الوحدة بالقوة ضد الشعوب) فإن خريطة الوطن العربي ستتغير بما فيها خريطة بلادي وبلادك؛ لو كنت أيها الأخ الملك تقاتل انفصاليين داخل المملكة المغربية لقاتلنا معك ولو كنت تقاتل المستعمرين الأجانب داخل الصحراء لقاتلنا معك. أما أن تقاتل شعبا يقول.. لا.. فلن نكون معك.. إن الصوت الذي لابد وأن يصغي إليه العالم هو صوت شعب الصحراء سواء في الوحدة معك أو الاستقلال بجوارك؛ وأخيرا ليس لدي ما أقوله غير ما قاله دريد بن الصمة لقومه:
نصحت لعارض وأصحاب عارض ورهط بني السوداء والقوم شهدي
فلما عصوني كنت فيهم وقد أرى غوايتهم وإني غير مهتد
أمرتهم أمري بمنعـرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزيــة أرشد
أخوك العقيد معمر القذافي
28 من صفر 1396 هـ
28 من فبراير 1976م

وفي نفس الكتاب (السجل القومي)، وردت عدة حقائق تاريخية أخرى تبين المواقف الليبية من قضية الصحراء الغربية، أيضا على لسان القائد "معمر القذافي"، نوردها كما جاءت في الكتاب، في الصفحات:419 ـ 420 ـ 421 ـ 422 ـ 423 على التوالي تحت عناوين متفرقة، دون أن نغير منها أي شيء، بل ننقلها بالحرف والفاصلة والنقطة كالآتي:
- حقائق في قضية الساقية الحمراء ووادي الذهب:
<< نأتي للجزائر والمغرب لأن الجماعة موجودون هنا، أنتم تعرفون حتى عام 1972، لم يكن لا المغرب ولا الجزائر ولا موريتانيا تتكلم عن الساقية الحمراء ووادي الذهب واحتلال اسبانيا لها، إطلاقا.. أنا الذي قلت في 11 يونيو عام 1972 في ذكرى جلاء الأمريكان.. إنه ما لم تنسحب اسبانيا في عام 1972، فإن الجمهورية العربية الليبية ستتحمل مسؤوليتها في إشعال حرب التحرير الشعبية في الساقية الحمراء ووادي الذهب ـ والخطاب موجود ـ وهذا واجب قومي، لا عندنا مطلب إقليمي ولا ترابي ولا نفوذ ولا ممر ولا منفذ ولا أي حاجة، عندنا أطول شاطئ على البحر المتوسط، ونبحث عن جنود من الجزائر وتونس ومصر حتى نحمي هذا الشاطئ.. فيه 11 ميناء، وطوله ألفي كيلومتر، ونحن لا نريد أي شيء من الساقية الحمراء ولكنه موقف قومي.. لا يمكن أن نرضى باستعمار إسباني في الساقية الحمراء، وأعلنت ذلك في موريتانيا من قبل، قلت.. آن الأوان لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وساهمت معنا الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة ـ لتحرير فلسطين، في هذا الموضوع، دربناهم وسلحناهم، وقلنا للمغرب وللجزائر ولموريتانيا اسمحوا لنا لندخل سلاحا، قالوا لا، هذه المنطقة لا نريد أن يكون فيها حرب.. ذهبت للرئيس مختار ولد داده، وقلت له أرجوك، تسمح لنا بإدخال السلاح إلى موريتانيا ونسربه على مسؤوليتنا.. قال لا، لا أقبل حربا على الحدود، حربا مسلحة ضد اسبانيا. قلت له تبنى الحركة الشعبية للساقية الحمراء، حتى إذا ما تحررت المنطقة تصبح موالية لك وتابعة لك. قال لا، هذه المنطقة أريدها أن تستقل، وبعد أن تستقل ممكن أن تصبح أقرب إلى موريتانيا منها إلى المغرب، قلت.. هل هذا رأيك؟ قال.. هذا رأيي. جئت وأبلغت مجلس قيادة الثورة، وقلت لهم إن رأي موريتانيا في هذه القضية أنها تريد الساقية الحمراء.. دولة مستقلة >>.
- رفضوا مرور الأسلحة:
<< طبعاً الجزائر والمغرب في ذلك الوقت قالوا لا نسمح بمرور السلاح لهذه المنطقة، بل نصادر السلاح، وبعدها ذهبوا وفضحوا بعضا، كل واحد قال.. أنت الذي أمسكت بالسلاح.. أنت الذي أمسكت بالسلاح، يعني السلاح أخذوه فعلا. ولكن مع هذا هربنا السلاح بكل وسيلة. وأنزلنا طائرات في الصحراء، على حدود الساقية الحمراء، باستعمال مهابط عادية وأخذ رجال الجبهة الأسلحة، وبعدها اسبانيا عندما عرفت أن فيه حركة تحرير شعبية فعلا، وفيه مواجهة مسلحة، وهي ليست مستعدة أن تعمل حرب لاستنزاف نفسها، فأعلنت أنها تنسحب من المنطقة >>.
- جبهة التحرير الشعبية:
<< في هذه اللحظة.. أثيرت المشاكل الترابية حول هذا الإقليم؛ الحقيقة نحن فرحنا أن اسبانيا ستخرج. وابتهجنا وقلنا الحمد لله انتهى واجبنا، أما الساقية الحمراء تكون مع من، لم يكن ذلك محل اهتمامنا، وما كنا نظن أنها ستصبح دولة مستقلة في الحقيقة ولا كان عندنا هذا التفكير، ولكن أصبح المغاربة يجيئون هنا، وكذلك الجزائريون والموريتانيون، وجبهة الساقية الحمراء. أصبحوا جميعا يتصلون بنا بعدما أصبح المشكل عربيا وليس مشكلا بين العرب والإسبان، بعدما أعلنت اسبانيا وأصبح مقررا أنها ستنسحب وقد نصحت قادة الجبهة الشعبية عدة مرات، وقلت لهم... من واجبكم أن تنضموا إلى دولة من هذه الدول، أو كل منكم ينضم إلى جزء، وأريحونا من هذه المشاكل. وأخيرا وجدت عند هؤلاء الناس إصرارا على أنه لا يمكن أن يكونوا جزائريين ولا مغاربة ولا موريتانيين، هؤلاء ناس حرروا أرضهم بسلاحهم، ولم تقف معهم هذه الدول، لماذا تأتي الآن هذه الدول لتقسمهم يقولون... لماذا لم تحارب معنا موريتانيا ولم تحارب معنا المغرب، وهذا الكلام منطقي وصحيح، لقد حرروا أرضهم بسلاحهم، بشهدائهم، بقتالهم، ونحن شهداء على هذا، نحن الليبيين الذين لا مطمع لدينا في الساقية الحمراء، شهداء على أن الساقية الحمراء ووادي الذهب حررتها جبهة التحرير الشعبية من أبناء الصحراء بسلاح ليبي وبتدريب ليبي وفلسطيني. لكنهم هم الذين حرروها >>.
- مندوب شخصي:
<< إذن لماذا يأتي هؤلاء الناس ليأخذوا أرضهم. الحقيقة أنا كنت أبعث بمندوب شخصي كان يمشي باستمرار معهم حتى وسط القتال، يذهب إلى داخل الصحراء ويعود. جاءني وقال لي: واضح جدا، أن سكان الساقية الحمراء يعتبرونهم الآن مثل قطيع الغنم، وتأتي جيوش وتجتاحهم وتأخذ هذا القسم. وجيوش أخرى تأخذ القسم الآخر. وهذا شيء لا يليق بمجموعة بشرية، ولا يليق بجزء من الشعب العربي، وكان من المفروض أن تحترم إرادتهم. نحن لسنا ضد انضمامهم إلى المغرب أو موريتانيا أو غيرها، ولكن يجب أن يحترم هؤلاء الناس وأن تحترم إرادتهم، ولا يكون الموقف بهذا الشكل! >>.
- الجبهة الشعبية طليعة الشعب الصحراوي:
<< ولكن هذا في الحقيقة لم يتحقق من طرف إخواننا في المغرب، ولا من طرف إخواننا في موريتانيا. ماذا حصل؟ حصل فعلا أن الجيش المغربي والموريتاني تقاسما الصحراء ودخلاها عنوة، وعملية تسليم من الإسبان... الإسبان يخرجون، والجيش الموريتاني والجيش المغربي يدخلان. وسكانها لم يهتم بهم إطلاقا باستثناء الجماعات الذين يحكمون عليهم، لكن هذه مغالطة... الرأي الحقيقي هو رأي الساقية الحمراء ووادي الذهب لا يمثله بعض المجموعة أو بعض الشيوخ، وإنما الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب هي طليعة الشعب الصحراوي حقيقة.. فليؤخذ رأيها >>.
- مأساة الشعب الفلسطيني يجب أن تنتهي:
<< حكاية فلسطين نأتي لكم بمثل عليها، حكاية فلسطين، يأتي واحد يقول الصراع الديني، ما الصراع الديني، فلسطين للعرب من أيام الكنعانيين، ويأتي واحد يقول، القرآن يقول لهم، ادخلوا الأرض المقدسة، أنا بغض النظر عن هذه الأشياء قلت لهم، القضية الفلسطينية لا أنظر إليها من هذه الناحية، لا كما وردت في القرآن، ولا كما وردت في الإنجيل، ولكن أنظر لها من ناحية الواقع الموجود الآن، الآن فيه شعب يعيش تحت الخيام، أين كان؟ كان في هذه الديار، إذن يجب أن يعود إلى هذه الديار، عنده دين، أو لا دين له، تكلم عليه القرآن أو تكلمت عليه التوراة، المهم فيه مأساة لشعب بكامله يجب أن تنتهي، أنا أنظر للمشكلة من هذه الناحية فقط، هذه حجة أقولها للذي يؤمن، والذي لا يؤمن، والذي يعرف دينا والذي لا يعرف دينا، والذي قرأ القرآن، والذي لم يقرأ القرآن، والذي أصله يهودي، والذي أصله عربي وللمسيحي وللملحد، الآن فيه مأساة لشعب، هذه المأساة تنتهي بإعادة هذا الشعب لدياره، بغض النظر عن كافة المقولات الدينية والأرض المقدسة وغيرها >>.
- مأساة لسكان الصحراء:
<< كذلك قضية الساقية الحمراء، أنا لا أنظر إلى أصل سكانها إن كانوا هم مغاربة أو جزائريين أو موريتانيين، ولا أنظر إلى أنه من المستحسن أن تنضم إلى هذا أو تنضم إلى ذلك، أو اتفاق مدريد وغيره، إنما أنظر إليها من الناحية المأساوية الأخيرة، وهي أن دخول الجيش المغربي والجيش الموريتاني ترتبت عليه مأساة لسكان الصحراء، واضحة ما فيه شك، وتقدرون أن تزوروها بأنفسكم، الآن الشعب الصحراوي مثل الشعب الفلسطيني للأسف، يعيش في خيام، في الصقيع، أمراض، تهجير، تشريد، هذا بغض النظر عن موقف المغرب، يعني المغرب يمكن أن يقول: أمن بلادي لا يسمح بوجود دولة بجانبي، وأن هذا الاتجاه خطير على بلادي، موريتانيا تقول: لا أريد حدودا مباشرة مع المغرب مثلا، كل واحد له وجهة نظر طبعا، ولكن كل وجهات النظر في جانب، والنتيجة في جانب آخر، النتيجة هي مأساة لهذا الشعب.
لقد جاءني وفد من الشيوخ ومن الشباب ومن النساء اللاتي معهن أطفال واللاتي فقدن أطفالهن، يعني فيه نساء يحكين وخاصة الناس العجائز لا يعرفن السياسة ولا النفاق، تقول، خرجت من العيون أو خرجت من الدواخل أو هربت، ونمت في العراء، وعطشت وصار لي كذا، وفقدت زوجي في المكان الفلاني، وتشردت في المكان الفلاني، وتبكي النساء والأطفال من هذا الواقع المر وهذه المأساة فعلا، ونحن حتى الآن نبعث لهم الأغطية والتموين، ونساعد الجزائر في تمويل سكان الصحراء الذين يعيشون بالآلاف في الخيام؛ هذا الكلام أراه.. قلت لكم، بغض النظر عن وجهة نظر المغرب أو موريتانيا. يمكن أن يكون هذا الموقف صحيحا، ولكن ترتبت عليه مأساة، يكون من حق المغرب أن تفعل ما تراه، ومن حق موريتانيا أن تفعل ما تراه، ولكن ترتبت عليه مأساة، وقد يكون هذا شعبا صغيرا لا يستحق أن يستقل مثلما يقولون، ولكن ترتبت عليه مأساة. هل لأنهم بدو لا يعيشون؟ نحن جميعا بدو. والإنسان كان بدائيا، نحن نحترم الإنسان لأنه إنسان وليس لأنه يلبس عقدة أو يتكلم بالألماني، نحن نحترم الإنسان لكونه إنسان حتى لو يكون عريانا. لأن هذه هي القيم. قالوا: لا، هؤلاء رحل بدو! وإذا كانوا رحلا وبدوا ألا يحترمون؟ أنا لا أتكلم عن قضية انضمام الصحراء إلى هذه الدولة أو تلك الدولة، وأين الحق وأين الباطل، ولكن ترتبت على النتيجة أنها فعلا مأساة للشعب الصحراوي وأعتقد أنه ليس هناك مجال الآن لأبعاد الصدام بين الجزائر والمغرب وموريتانيا، وليس هناك سبيل لتخفيف المأساة إلا احترام كيان هؤلاء الناس والاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، رغم أنها دولة صغيرة ومشكلة وقد تكون عالة، ولكن لم يعد هناك سبيل لحل هذه المشكلة نهائيا، لأن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء والتي عدد أفرادها الآن خمسة آلاف مسلحين، هذا الجيش سيستمر استنزافا ضد المغرب.. أرسلت للملك الحسن الثاني وقلت له: ليس من مصلحتك احتواء خمسة آلاف مسلحين في هذه الصحراء. فيه عملية استنزاف لمملكتك، وليس من مصلحتك احتواء آلاف الناس الجياع، وأن تمد حدودك في صحراء أخرى لا تستطيع أن تضمنها. وموريتانيا التي نبني فيها بالطوبة، نبعث لها في محرك ديزل لتنور مدينة شنقيط، ونبعث لها في مشاتل الغابات لنثبت بها الرمال، والجزائر التي تطبع لها في عملتها، تزجان بنفسهما في معترك مثل هذا!!.. جاءني الرئيس مختار ولد داده، وجاءني وزير الخارجية، وقلت لهم جميعا أرجوكم لا تدخلوا في هذا المعترك، هذا ليس من مصلحة موريتانيا أن تأخذ جزءا من الصحراء، فموريتانيا كلها صحراء، الصحراء كانت عند الإسبان وحررت، والآن أصبحت عند العرب، قلت لهم أقيموا وحدة، المغرب مع موريتانيا، وخذوا الصحراء، وتنتهي المشكلة، وأنا أضمن الجزائر في ألا تتدخل في هذه المشكلة، أو أقيموا وحدة مع الجزائر، ولكنهم مصممون على اقتسامها وتشريد شعبها، والحقيقة هذه مأساة ليست من مصلحة المغرب ولا من مصلحة موريتانيا لا اقتصاديا ولا سياسيا، ويمكن أن تكون لها ردود فعل سياسية داخل المغرب وداخل موريتانيا، نحن نعرف الجو السياسي داخل موريتانيا وداخل المغرب، وأنتم تعرفون ليبيا، كل واحد يقوم بثورة الآن يتصل بالجمهورية العربية الليبية، معروف أي واحد يقوم بثورة الآن حتى في أيرلندا يتصل بالجمهورية العربية الليبية، يقولون أنتم تساعدون في قضية الحرية، وما بالك في البلاد العربية، وأنتم ترون أكثر من حركة قامت واتصلت بنا، نحن لا نقول لهم تعالوا ولكنهم يتصلون بنا، ونحن كثيرا ما نترك هذه الأشياء لقضايا داخلية، ولهذا نحن نعرف الجو في الجيش المغربي وفي الجيش الموريتاني، وفي الشعب المغربي وفي الشعب الموريتاني، ونعرف المعارضة، ونعرف الناس الراضين والناس غير الراضين، ونصيحة أنا بعثت للملك عدة مرات وقلت له، هذا ليس من مصلحتك، يجوز أن يستمر الملك في هذه الأشياء ويحتل هذه الأرض ولا يحصل ضده شيء ويتغلب على المعارضة، وموريتانيا لا يحصل فيها انقلاب، ولكن أهم شيء يبقى دائما هو مأساة الشعب الصحراوي، ولا يمكن هؤلاء الخمسة آلاف يعودون مواطنين مع المغرب ولا مع موريتانيا >>.
- ندعو للاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية:
<< والجزائر ليس عندها مطمع في أن تضم الصحراء إليها، لأن موقفها أصبح مثل موقف ليبيا، دعم هذا الشعب، صغير، جاهل، صحراوي، فقير، لكن المهم أن المأساة لا يمكن حلها إلا باحترام كيان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، هذا هو الشيء الصحيح وإلا سيستمر الاستنزاف، ونفرض أن مائة دولة اعترفت بها، هل المغرب وموريتانيا ستقطعان علاقاتهما بالمائة دولة في العالم، وتتوالى الاعترافات الآن، وإلى أمس اعترفت رواندا، وما زالت الاعترافات تتوالى، وأنا أبلغت موريتانيا والمغرب، وقلت لهم، يا إخواننا لم يبق أمامي إلا الاعتراف بهذه الجمهورية، لا تسحبوا سفرائكم وتقطعون العلاقات، هذا ليس من مصلحتكم، أنا سأمسك السفير الموريتاني والمغربي وسيبقون هنا غصبا عنكم، والعلاقات مستمرة، وأنا يمكن أن أعترف بهذه الدولة، لماذا تكون خسارتين! خسارة واحدة تكفي، اعترفوا بدولة بدلا من اعتراف وقطع العلاقات >>.
- هذه سياستنا.. وهذا أسلوبنا:
<< والله يا إخواننا هذه سياستنا، وهذا أسلوبنا، وهذا يتعبنا كثيرا في دنيا العرب وفي العالم كله... هذا العالم الذي لا يتعامل بالقيم، وأنتم محامون والحمد لله وحضرتم قضايا قتل وإجرام، تستطيعون أن تحكموا علينا، وتقيموا منكم مدعيا عاما ومحاميا، وتدينونا أو لا تدينونا... وأنا أترك قضية الجمهورية العربية الليبية وملفها في يدكم، وأنا على أتم الاستعداد غدا أن نقيم وحدة مع تونس... غدا مستعد لأذهب بنفسي لنوفق بين بومدين والملك الحسن بشرط احترام الصحراء، وألا تقع حرب نهائيا في الصحراء. وأنا مستعد أن أضمن جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بأن لا تقوم بأعمال عنف ضد المغرب أو ضد موريتانيا وأن الجزائر لا تكون في حالة مواجهة مع المغرب أو مع موريتانيا بشرط أن المغرب وموريتانيا ترفعان أيديهما عن الصحراء. يريدان أن يقيما اتحادا فليقيما اتحادا. اذهبوا إليهما وقولوا لهما هذا، وأنا مستعد أن أضمن حدود أي دولة من هذه الدول المتخاصمة بشرط احترام الشعب الصحراوي >>.
إنتهى كلام العقيد معمر القذافي.
إذن هكذا قد توضح لنا جليّاً الموقف الليبي بالأمس من قضية الصحراء الغربية، ولكن في المقابل لم يتوضح بالنسبة للحاضر (اليوم)، مع أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب هي نفسها لم تتغير، فكما تأسست في 10 مايو 1973 على أساس أنها الممثل الشرعي، الطلائعي والوحيد للشعب الصحراوي في الكفاح والمطالبة بتقرير المصير والاستقلال في إطار الدولة الصحراوية "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي أعلنت في 27 من فبراير 1976، ومنذ إعلانها توالت الاعترافات بها من كل حذب وصوب، وكان من بين أول المعترفين ليبيا، بل الأكثر من ذلك أن ليبيا لطالما ظلتْ تدعوا إلى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، واحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والعيش بحرية وكرامة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: "هل ليبيا الأمس هي ليبيا اليوم؟؟ هل ليبيا لا زالت كما كانت بالأمس قبلة للثوار، ومكة الحركات التحررية"؟؟.
نترك الفرصة، ونجعلها رسالة موجهة منا كعاميّين ـ لا نفقه شيئا في السياسة ـ تنتظر الرد من المعنيين المباشرين في ليبيا، وعلى رأسهم الأخ القائد "معمر القذافي"، وكذلك رسالة موجهة تنتظر الرد من كل العارفين بالوضع و المتتبعين له أينما تواجدُوا.

كتب في: مارس 2007
بقلم: محمد هلاب 

ليست هناك تعليقات: