مع بداية 2003 أطلتْ فضائية "العربيّة"، واستبشر مع إطلالتها العالم العربي خيراً لتقويّة سلاحه الإعلامي بسلاح جديد هو في أحوج ما يكون إليه؛ وكان ميلاد "العربيّة" حدثاً في محله زماناً ومكاناً، فمن حيث الزمان لكونها جاءتْ مع بدايات الغزو الأمريكي للعراق، ومن حيث المكان لكونها الأقرب إلى ساحة المعركة في قلب الوطن العربي، وابنة إحدى رائدات الدول العربية (السعودية) ـ ويكفي من الأدلة اسم "العربيّة"ـ.
الحقيقة أن "العربيّة" لم تُـقصر في إيصال وقائع الحرب على العراق، ولا يختلف إثنان على ذلك ـ حتى وإن كان بوجهة نظر سعوديّة صرفة ـ المُهم أنها كانتْ سلاحاً إعلاميّاً يجُول عبْره المُتتبّعُ ليس فقط في العراق وإنما في العديد من القضايا في مختلف أرجاء المعمور ليجد ضالته التي ظل ينشدها، تلك الضالة التي أعلنت عنها "العربيّة" منذ الوهلة الأولى لانطلاق بثها، حيث تبنت "الجرأة"، "المصداقية"،"الحياد"... إلى غير ذلك من سُلوكيّات المهنة الإعلامية.
ولا يستطيع أحد أن ينكر كذلك أن "العربيّة" قد أنتجتْ أفلاماً وبرامج وثائقية غاية في الإحتراف، من قبيل: بانوراما، صناعة الموت، روافد، محطات، مهمة خاصة، إضاءات، السلطة الرابعة... إلخ، هذه البرامج التي استطاعت أو كادتْ أن تبلغ بها هدفها الذي يتمثل أساساً في منافسة شقيقتها "الجزيرة"؛ كما أن "العربيّة" استقطبتْ جُملة من الإعلاميّين الأكفاء ومن كل قنوات العالم العربي بمن فيهم "الجزيرة" نفسها.
وإن لم تستطع "العربيّة" الوصُول إلى ما وصلتْ إليه الجزيرة وبعض الفضائيات الغربيّة، خاصة في تناولها لبعض القضايا، وبالأخص الإفريقية التي لم تستطع إعطائها حقها، وبالتالي إيصالها إلى المتتبع ضمن شعارها "الجرأة، المصداقية والحياد"، ويُمكن أن يعذرها المُتتبع في ذلك بأي عذر تُـقدمه؛ إلا أن الذي لا يُمكن مُسامحة "العربيّة" عليه وعدم قبُول أي عذر، هو عندما تتناول ملف "الصحراء الغربية"، ذلك الملف الذي ـ شاءت الأقدارـ أن يكون السبب في إظهار "العربيّة" على حقيقتها التي طالما حاولت إخفاءها، حيث أنه كلما تحرك ملف الصحراء الغربية وتناوله الإعلام، كلما ظهرت معه حقيقة "العربيّة" الدفينة، وتجلتْ معه أنها (أي العربيّة) الإبنة المُطيعة لسيّدها وولي أمرها (السعودية) التي تدعم - للأسف الشديد - نظاماً ظالماً جائراً مغتصباً، بدل أن تأخذ على يده وتحاول هدايته لطريق التعقل والصواب عملا بقوله تعالى: " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [سورة الحجرات: 9].
وقــد لا يُعابُ على أي نظامٍ وقوفه أو انحيازه إلى الجانب الذي يُريد، بغض النظر عن صحّة السّلوك من خطئه، فاللعبة لا تعْدُوا كونها سيّاسة، والمُتتبع للسيّاسة يعرفُ وكله يقين بأن السيّاسة ما هي إلا مصالح، فحيثما كانت المصالح كان السّباق والتهافت نحوها؛ ولكن في المقابل يجب أن لا يغفل أصحاب المصالح على أنه لاشيء ثابت في السيّاسة، وأن صديق اليوم قد يُصبح عدوّ الغد، كما أن عدو اليوم قد يُصبح صديق الغد.
بل إن العيب ـ كل العيْب ـ والمُشين هو أن تتبنى فضائية بحجم "العربيّة" ما يُمكن أن يُدمّر سُمْعتها ويجعلها قزماً في أعيُن من علّقُوا عليها الآمال يوماً ـ ولا أعني هنا أن الشعب الصحراوي يُعلق آمالا على "العربيّة" أو على غيرها ـ ولكن يُمكن القول بأنه كان يُمكن لـ"العربيّة" أن تعلق آمالاً على قضية الشعب الصحراوي (الصحراء الغربية)، وأن تستغلّ حراكها لتظهر من خلاله بمظهرٍ يزيدُ من قوتها ويُكسبها ثقة المُشاهد ولوْ على الأقل في شمال غرب القارة الإفريقيّة.
وبدل أن تتناول العربية قضية الصحراء الغربية بما ادعته من شعارات المهنة، وبدل أن تستعمل ذكاء وحنكة ودهاء الإعلام الذي يستطيع أن يُمرّر الكثير ممّا أراد على المُشاهد دون أن يتفطن الأخير، ذهبت "العربيّة" أبعد من ذلك وبأسلوب لا يمُتّ إلى الإعلام بصلة ـ بل إن الإعلام بريءٌ منه براءة الذئب من دم يوسف ـ فقد كذبت "العربيّة" كذبة كبيرة لا تـُغتفر، ربّما يكون النظام في المغرب قد جرّها إليها دون دراية منها، أو رُبّما قد تكون أخذتْ على ذلك رشوة ـ من يدري؟؟!! ـ المُهم أنها كذبة لا يُصدّقها أيّ كان بمن فيهم النظام المغربي نفسه، حيث أوردت "العربيّة" في تقرير لها صبيحة يوم الإثنين العاشر من أغسطس 2009، في تقرير لها بخصُوص اللقاء غير الرسمي بين جبهة البوليساريو والمغرب (طرفي النزاع في الصحراء الغربية) في العاصمة السويسرية فيينا، أوردت فيه أن جبهة البوليساريو تشنّ حرب عصابات ضد المغرب منذ 1991، والمُشكلة أن "العربيّة" أرفقتْ التقرير بصور، ربّما أنها لم تعلمْ أنها صُورٌ خلفها قصفٌ للجيش المغربي على مُستشفى ومدرسة راح ضحيته العديد من الأبْريّاء الصحراويين في بلدة "التفاريتي" في الجُزء المُحرّر من الصحراء الغربية، والمُشكلة الأكبر أن "العربيّة" لم تتريّث حتى تسْتفسر عن حقيقة تلك الصّور وذلك الزعم والكذب الذي أرفقته بها على مرأى ومسمع من العالم، أو رُبّما أن المُسوّق للتقرير والصّور لم يضع "العربية" في الصورة الحقيقيّة.
وإذا كانت الكذبة قد سقطتْ سهواً من "العربية" أو حتى عمداً، فإن الشعب الصحراوي ومن ورائه ممثله الشرعي والطلائعي الوحيد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بدل أن يُقاضيّا "العربيّة" على فعْلتها الشنيعة، فإنهُما يُصحّحان لها الخطأ ويدْعُوانها أن تراجع من سوّق وباع لها الكذبة والاتهام الباطل، ويقولان لها: أن الحقيقة وكما شهد بها التاريخ وشهداء الشعب الصحراوي الذين سقطوا من جراء ذلك القصف وغيره من عمليات القصف المغربية بأسلحة محرمة دوليّاً كالنابّالمْ والفوسْفورْ الأبيض، هي أن من أحدث تلك الصور هو الجيش الملكي المغربي، خارقاً بذلك اتفاق السلام الذي أبرمه مع البوليساريو في 06 من سبتمبر 1991، وأن من يشن الحرب والخروقات السافرة لحقوق الإنسان، ومن ينتهك الشرعيّة الدوليّة ويقفز على حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والإستقلال، ومن يقتل ويُشرد ويعتقل ويُعذب ويغتصب، ومن يرتكب كلّ الجرائم في حق الصحراويين هو المغرب وليس فقط منذ 1991، بل منذ 31 أكتوبر 1975 وإلى اليوم.
وإذا كانت "العربيّة" أو غيرها من الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها عندها مثقال ذرة من شك في ذلك، فإنني أتحداها أن تطلب من المغرب السماح لها بإجراء تحقيق في الوضع في الجزء المحتل من الصحراء الغربية وفي جنوب وداخل المغرب، وأن يسمح لها بأخذ ساعة ـ ولو واحدة ـ من الحريّة للإلتقاء بأبناء الشعب الصحراوي تحت إدارة الإحتلال المغربي حتى تقف على الحقيقة الكاملة بأم أعيُنها.
كتب في: 12 أغسطس 2008
بقلم: محمد هلاب
ولا يستطيع أحد أن ينكر كذلك أن "العربيّة" قد أنتجتْ أفلاماً وبرامج وثائقية غاية في الإحتراف، من قبيل: بانوراما، صناعة الموت، روافد، محطات، مهمة خاصة، إضاءات، السلطة الرابعة... إلخ، هذه البرامج التي استطاعت أو كادتْ أن تبلغ بها هدفها الذي يتمثل أساساً في منافسة شقيقتها "الجزيرة"؛ كما أن "العربيّة" استقطبتْ جُملة من الإعلاميّين الأكفاء ومن كل قنوات العالم العربي بمن فيهم "الجزيرة" نفسها.
وإن لم تستطع "العربيّة" الوصُول إلى ما وصلتْ إليه الجزيرة وبعض الفضائيات الغربيّة، خاصة في تناولها لبعض القضايا، وبالأخص الإفريقية التي لم تستطع إعطائها حقها، وبالتالي إيصالها إلى المتتبع ضمن شعارها "الجرأة، المصداقية والحياد"، ويُمكن أن يعذرها المُتتبع في ذلك بأي عذر تُـقدمه؛ إلا أن الذي لا يُمكن مُسامحة "العربيّة" عليه وعدم قبُول أي عذر، هو عندما تتناول ملف "الصحراء الغربية"، ذلك الملف الذي ـ شاءت الأقدارـ أن يكون السبب في إظهار "العربيّة" على حقيقتها التي طالما حاولت إخفاءها، حيث أنه كلما تحرك ملف الصحراء الغربية وتناوله الإعلام، كلما ظهرت معه حقيقة "العربيّة" الدفينة، وتجلتْ معه أنها (أي العربيّة) الإبنة المُطيعة لسيّدها وولي أمرها (السعودية) التي تدعم - للأسف الشديد - نظاماً ظالماً جائراً مغتصباً، بدل أن تأخذ على يده وتحاول هدايته لطريق التعقل والصواب عملا بقوله تعالى: " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [سورة الحجرات: 9].
وقــد لا يُعابُ على أي نظامٍ وقوفه أو انحيازه إلى الجانب الذي يُريد، بغض النظر عن صحّة السّلوك من خطئه، فاللعبة لا تعْدُوا كونها سيّاسة، والمُتتبع للسيّاسة يعرفُ وكله يقين بأن السيّاسة ما هي إلا مصالح، فحيثما كانت المصالح كان السّباق والتهافت نحوها؛ ولكن في المقابل يجب أن لا يغفل أصحاب المصالح على أنه لاشيء ثابت في السيّاسة، وأن صديق اليوم قد يُصبح عدوّ الغد، كما أن عدو اليوم قد يُصبح صديق الغد.
بل إن العيب ـ كل العيْب ـ والمُشين هو أن تتبنى فضائية بحجم "العربيّة" ما يُمكن أن يُدمّر سُمْعتها ويجعلها قزماً في أعيُن من علّقُوا عليها الآمال يوماً ـ ولا أعني هنا أن الشعب الصحراوي يُعلق آمالا على "العربيّة" أو على غيرها ـ ولكن يُمكن القول بأنه كان يُمكن لـ"العربيّة" أن تعلق آمالاً على قضية الشعب الصحراوي (الصحراء الغربية)، وأن تستغلّ حراكها لتظهر من خلاله بمظهرٍ يزيدُ من قوتها ويُكسبها ثقة المُشاهد ولوْ على الأقل في شمال غرب القارة الإفريقيّة.
وبدل أن تتناول العربية قضية الصحراء الغربية بما ادعته من شعارات المهنة، وبدل أن تستعمل ذكاء وحنكة ودهاء الإعلام الذي يستطيع أن يُمرّر الكثير ممّا أراد على المُشاهد دون أن يتفطن الأخير، ذهبت "العربيّة" أبعد من ذلك وبأسلوب لا يمُتّ إلى الإعلام بصلة ـ بل إن الإعلام بريءٌ منه براءة الذئب من دم يوسف ـ فقد كذبت "العربيّة" كذبة كبيرة لا تـُغتفر، ربّما يكون النظام في المغرب قد جرّها إليها دون دراية منها، أو رُبّما قد تكون أخذتْ على ذلك رشوة ـ من يدري؟؟!! ـ المُهم أنها كذبة لا يُصدّقها أيّ كان بمن فيهم النظام المغربي نفسه، حيث أوردت "العربيّة" في تقرير لها صبيحة يوم الإثنين العاشر من أغسطس 2009، في تقرير لها بخصُوص اللقاء غير الرسمي بين جبهة البوليساريو والمغرب (طرفي النزاع في الصحراء الغربية) في العاصمة السويسرية فيينا، أوردت فيه أن جبهة البوليساريو تشنّ حرب عصابات ضد المغرب منذ 1991، والمُشكلة أن "العربيّة" أرفقتْ التقرير بصور، ربّما أنها لم تعلمْ أنها صُورٌ خلفها قصفٌ للجيش المغربي على مُستشفى ومدرسة راح ضحيته العديد من الأبْريّاء الصحراويين في بلدة "التفاريتي" في الجُزء المُحرّر من الصحراء الغربية، والمُشكلة الأكبر أن "العربيّة" لم تتريّث حتى تسْتفسر عن حقيقة تلك الصّور وذلك الزعم والكذب الذي أرفقته بها على مرأى ومسمع من العالم، أو رُبّما أن المُسوّق للتقرير والصّور لم يضع "العربية" في الصورة الحقيقيّة.
وإذا كانت الكذبة قد سقطتْ سهواً من "العربية" أو حتى عمداً، فإن الشعب الصحراوي ومن ورائه ممثله الشرعي والطلائعي الوحيد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بدل أن يُقاضيّا "العربيّة" على فعْلتها الشنيعة، فإنهُما يُصحّحان لها الخطأ ويدْعُوانها أن تراجع من سوّق وباع لها الكذبة والاتهام الباطل، ويقولان لها: أن الحقيقة وكما شهد بها التاريخ وشهداء الشعب الصحراوي الذين سقطوا من جراء ذلك القصف وغيره من عمليات القصف المغربية بأسلحة محرمة دوليّاً كالنابّالمْ والفوسْفورْ الأبيض، هي أن من أحدث تلك الصور هو الجيش الملكي المغربي، خارقاً بذلك اتفاق السلام الذي أبرمه مع البوليساريو في 06 من سبتمبر 1991، وأن من يشن الحرب والخروقات السافرة لحقوق الإنسان، ومن ينتهك الشرعيّة الدوليّة ويقفز على حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والإستقلال، ومن يقتل ويُشرد ويعتقل ويُعذب ويغتصب، ومن يرتكب كلّ الجرائم في حق الصحراويين هو المغرب وليس فقط منذ 1991، بل منذ 31 أكتوبر 1975 وإلى اليوم.
وإذا كانت "العربيّة" أو غيرها من الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها عندها مثقال ذرة من شك في ذلك، فإنني أتحداها أن تطلب من المغرب السماح لها بإجراء تحقيق في الوضع في الجزء المحتل من الصحراء الغربية وفي جنوب وداخل المغرب، وأن يسمح لها بأخذ ساعة ـ ولو واحدة ـ من الحريّة للإلتقاء بأبناء الشعب الصحراوي تحت إدارة الإحتلال المغربي حتى تقف على الحقيقة الكاملة بأم أعيُنها.
كتب في: 12 أغسطس 2008
بقلم: محمد هلاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق